أفضل الصداقات في عالم الأدب

ثقافة 2023/05/29
...

 عدوية الهلالي


ماذا سنفعل من أجل الحب؟ أو بالأحرى ما الذي لن نفعله؟ نحن نتساءل جميعًا دائما عن قوة مشاعرنا الرومانسيَّة، لوضعها على المحك من الناحية النظريّة. 

ولكن ماذا عن مشاعرنا لأولئك الذين يرافقوننا يوميًا، والذين يبقون عند زوال الحب، أولئك الذين يشكلون أسرتنا الثانية (الأصدقاء)؟

قال ديموقريطوس: «لا تستحق الحياة أن نحياها من دون صديق جيد». ولم يكرم العديد من عباقرة الأدب الفرنسيين هذا الشعار، لكن أولئك الذين جرّبوا الصداقة عاشوها بصدق كبير. لقد سافر روسو لأميال سيرًا على الأقدام لزيارة ديدرو. وبدا أنّ لابويتي ومونتين يعتزان ببعضهما البعض أكثر مما كانا يعتزان بزوجاتهما فقد اعتبر مونتين الصداقة من متع الحياة، وقال عن صديقه لابويتي «أخبرك عن سبب حبّي له: لأنّه هو ولأنّي أنا». كما أشاد هوغو بعبقريّة بلزاك والعكس صحيح. فما هي أجمل الصداقات الأدبيَّة؟

في عام 2015، نشر برنارد مورلينو كتابا يجمع بين أقوى 35 صداقة أدبيَّة. وقد فوجئ، أولاً وقبل كلِّ شيء، بندرتها إذ لاحظ وهو يبحث عن تلك الصداقات الحقيقيَّة أن ثلاثة أرباع الكتّاب يكرهون بعضهم البعض، كما ذكر في مقدمة كتابه.

كان هذا الكتاب قد ولد من تجربته الخاصة، من صداقته مع إيمانويل بيرل وفيليب سوبولت ولويس نوسيرا الذين قال عنهم: «أصدقائي هم مؤهلاتي الوحيدة».. وكان كاتب المقالات الفرنسي قد قدم تعريفا للصداقة يتجاوز التعاطف البسيط وارتياد دور السينما او تناول العشاء معا في عطلات نهاية الأسبوع. أما البقية، فإنّ ما نسميه عادة الأصدقاء والصداقات ما هو إلا علاقات مألوفة تنشأ في مناسبة ما، بينما يختلط أطراف الصداقة التي تحدث عنها الكاتب ببعضهم البعض بمزيج قوي إلى درجة أنّهم يتلاشون.. 

ويتجاوز هذا الدليل الذي يربط بين كائنين ما كان يجب أن يفصل بين هؤلاء الرجال والنساء من الفوارق مثل فارق السن بين جاك بريفير وبوريس فيان، ولكن أيضًا بين جيروم غارسين وجاك شيسيكس أو ناتالي ليجر وناتالي جمب. وكذلك المعارضة السياسيّة والأيديولوجيّة بين مارسيل بروست وليون دوديت المعادي للسامية. والفرق بين الجنسين بين فلوبير وجورج صاند وفولتير ومدام دو ديفاند في مجتمع ذكوري ومنقسم.

وفي الصداقات الأدبيّة هنالك أيضا قصص موت فاجعة مثل قصص العشّاق روميو وجولييت، وبول وفيرجيني، فقد مات تشارلز بيجي وجوزيف لوت من أجل فرنسا عام 1914، كما مات كابو وجورج وولينسكي في هجمات الجهاديين على فرنسا. فالأصدقاء، مثل العشّاق، ينفجرون من الألم. وقد أصبح ديدرو وروسو أخوين عدوين عام 1758 بعد أن تقاسما كل شيء. 

وفي مراسلاتهما، كان كلاهما يشعران بأسف مرير...

ومن الواضح أن الصداقات أقل حضورا من الحب في الأدب إذ يحتكر كل من العشّاق تريستان وايزولت وروميو وجوليت ورودريغو وشيمين المكتبات، لكن كلمة «صداقة « تكررت في عام 1428 في كتاب بروست (البحث عن الزمن المفقود) 232 مرة.

ودعونا لا ننسى قصّة الصداقة التي رواها الكاتب فريد أولمان في روايته بين الراوي هانز شوارتز، وهو نجل طبيب يهودي، وكونراد فون هوهينفيلس، الأرستقراطي الألماني الشاب، خلال صعود النظام النازي في شتوتغارت. ولا ننسى أيضا أوهام بلزاك الضائعة التي ربطت ديفيد سيشارد ولوسيان شاردون بصداقة عميقة، وكذلك الفرسان الثلاثة لألكسندر دوماس.

وإلى جانب الصداقات بين الكتاب، هناك صداقات بين «الشعراء» والنقاد. 

فقد كتب غوستاف بلانش، الناقد الأدبي الفرنسي في القرن التاسع عشر، في مجلة (عالمين) في عام 1836 مقالًا بعنوان «الصداقات الأدبيّة» يصف ولادة وازدهار وموت الصداقات بين النقاد والكتاب قائلا: «في بداياته كفنان، يسعد الشاعر بوحدته وعبقريته ويواجه العالم متظاهراً أنه لا يحتاج إلى أحد، وبعد ذلك، يدرك أنه سيكون من الجيد له أن يقارن آراءه مع أصدقائه، ويتأكد من قيمة نتاجاته الأدبيّة ويثريها بالمناقشات مع المثقفين الآخرين. 

في تلك اللحظة تبدأ صداقته مع الناقد، وتبدأ أسعد ساعة في حياة الشاعر فلم يعد بمفرده، ولولا الصداقة لما كان قويا ومثابرا».

وكما تنتهي قصص الحب بشكل سيء عادة، فكذلك ينتهي هذا النوع من الصداقة. فبالنسبة للناقد غوستاف بلانش، فإنَّ صديقه الشاعر ينساه بمجرد أن يعرف المجد. 

ويقول: «ومع ذلك فإنَّ الشاعر والناقد، وعندما يثبت كل منهما سلطته، سيعيشان في مساواة أخويّة؛ وهذه المساواة هي مصدر قوتهما. ومن خلالها يصلان عبر طريق مباشر أكثر إلى الهدف الذي يقصدانه، أي إلى المجد.

وعلى الرغم من أن الانفصال الودي مؤلم فهل يجب أن نضع حدًا لهذا الشعور؟ 

في عام 49، نشر بلوتارخ كتابًا عن انزعاجه من وجود عدد كبير جدًا من الأصدقاء. فبالنسبة إلى الأخلاقي القديم، تجلب الصداقة الألم وخيبة الأمل المتكررة، وكلما قل عدد الأصدقاء، كان ذلك أفضل. 

وغالبًا ما يخدعنا أولئك الذين اعتقدنا أنّنا نعرفهم. فالكل يطلق على نفسه صديقًا؛ ولكن «ما من شيء أكثر شيوعًا من هذا الاسم، وما من شيء أكثر ندرة منه»، كما قال جان دي لافونتين.

دعونا إذن نحسب أصدقاءنا الحقيقيين على أصابع يد واحدة، فالصداقة الحقيقيّة أجمل من أن تتشتت في بدائل عابرة.