{مواطن مصري}.. شهيد مع وقف التنفيذ

ثقافة 2023/05/29
...

علي حمود الحسن

 أعددت قبل أيام حلقة عن الفيلم الكلاسيكي المصري "مواطن مصري" (1991) للمخرج صلاح أبو سيف، فأذهلني بجرأته ومباشرته في نقد المتغيرات، التي عصفت بالمجتمع المصري بعد حرب اكتوبر. 

 الفيلم ما قبل الأخير لأبي سيف(1915 - 1996)، مثل فيه عمر الشريف وعزت العلايلي، وصفية العمري، وصوره طارق التلمساني، بينما كتب السيناريو له محسن زايد عن قصة ليوسف القعيد بعنوان "الحرب في بر مصر"(1978)، التي تحكي عن محنة الفلاح المكدود عبد الجواد(عزت العلايلي)، الذي يفقد أرضه التي حصل عليها من الإصلاح الزراعي أيام جمال عبد الناصر، بعد أن أعادها القضاء إلى العمدة عبد العزيز الشرشابي (عمر الشريف) سليل أسرة اقطاعية غاشمة، تفشل محاولات الفلاحين، لإيقاف القرار الظالم، لكنه يتفاجأ بعرض من العمدة يطلب فيه أن يستبدل ابنه الوحيد مصري، المعفي أصلاً من الخدمة العسكرية، محل توفيق الابن المدلل لزوجته الثالثة (صفية العمري) وذلك بتزوير جميع مستمسكاته، مقابل أن يعيد العمدة له أرضه، ويعينه خفيراً خصوصياً في بيته، لا يجد عبد الجواد ومصري (احمد عبد الله)، خياراً سوى الموافقة لإنقاذ الأسرة من الجوع والضياع، فيلتحق مصري بالجيش، بدلاً من توفيق ليعود بعد إلى قريته شهيداً، فيتوافد الناس على العمدة باعتباره "أبو الشهيد" بينما يحاول عبد الجواد المكلوم اثبات أن الجثمان لابنه الوحيد، لكن العمدة يطلب منه السكوت، وإلا سيسجن بتهمة التزوير، ففي مشهد لا يكرر تطلب الشرطة من عبد الجواد التعرف على الشهيد، يرفع غطاء التابوت ويشيح عينيه وقلبه يقطر دماً، وعلى الرغم من أهمية الفيلم وبلاغة رسالته بلا مواربة، كأنما أراد أبو سيف أن يعبر عن خيبة آماله وأحلامه بمآل ثورة يوليو وانفتاح السادات الذي أفقر وهتك الروح الحية المصرية، إلا أن مشهد عودة جثمان الشهيد إلى دوار العمدة، بينما يصرخ عبد الجواد الذي فقد وحيده: "يا ناس يا هو دا بني مصري"، يعد واحداً من أهم أدوار عزت العلايلي وأكثرها تألقاً، لا سيما تلك اللقطات التي صورت عبد الجواد وهو يتطلع في وجه ابنه الشهيد ولا يستطيع القول : "إنه ابنه"، إذ يتبارى الممثلان الكبيران عزت العلايلي وعمر الشريف، ليقدما أداءً غير مسبوق، لا سيما عزت العلايلي الذي، لم يستطع عمر الشريف اخفاء إعجابه به، فقال: "أنت عظمة.. يا عزت" هذا المشهد الذي "ابكى كل من شاهده" ينفتح على أكثر من تأويل، ليس أقله أن فقراء مصر وقود الحروب، فهم أول من يضحي ويستشهد أولادهم، وآخر من يستفيد، يترك صلاح أبو سيف النهاية مفتوحة على لقطة قريبة لجدار نصب الشهيد وقد خط عليه اسما مصري عبد الجواد، وتوفيق الشرشابي، فكلاهما شهيدان، الأول حقيقي منسٍ، والثاني مزيف بطل.