هل لدينا طموحٌ لتأسيس مشروع سينمائي عراقي جديد؟

ثقافة 2023/05/29
...

  رضا المحمداوي 

لم يكن افتتاح مهرجان أيام السينما العراقية بدورته الثانية التي أقيمت للمدة من 11 إلى 14 آيار 2023 موفقاً في اختياره لباكورة عروضهِ السينمائية التي بدأها بفيلم(موسيقى المطر) عن (نص صوري) للمخرج المسرحي المعروف صلاح القصب، ومن سيناريو وإخراج الفنان رياض شهيد، ومن تمثيل عادل عثمان، فضلا عن عرض فيلم  (الأنيميشن) "ملاك" للمخرجة ايمان الفارس قبل أن ينتهي حفل الافتتاح بالعرض الخاص للفيلم السوري "الحكيم" بحضور مخرجه باسل الخطيب وممثليه: دريد لحام وصباح الجزائري.

  ذلك لأنه عندما يقع الاختيار على فيلم الافتتاح لمهرجان سينمائي سنوي ينبغي أن يتوافر ذلك الفيلم على خصائص ومواصفات تمنحهُ هذه الأسبقية، أو الأولوية في التقدّم على الأفلام الأخرى المشاركة في المهرجان.

-  فماذا أرادَ أن يُقدّم الفنان رياض شهيد في تجربتهِ الأولى بكتابة السيناريو وإخراج فيلمه القصير؟

- وماذا أرادَ أن يقول المخرج القدير صلاح القصب في كتابته لـ (النص الصوري) للفيلم؟

قد يكون هذا الفيلم بنزعته التجريبية الواضحة وغيره الكثير من الأفلام التي تحمل ذات الطابع، قد يكون مناسباً لمخرج شاب يتلمس طريقَه ويضع خطواته الأولى في عالم الإخراج في أطروحة تخرج  من معهد أو كلية الفنون الجميلة أو واحد من الأفلام الشبابية المعروفة لدينا، أما إن يكون هذا الفيلم هو فيلم الافتتاح لمهرجان السينما العراقية السنوي فهو أمرٌ يجب أن نتوقف عندهُ جدياً.

فالفيلم بخلوه من عنصري(القصة والحوار) لم يكن واضحاً ومفهوماً ..نعم لقد شاهدنا البطل يمشي تحت المطر المنهمر وسمعنا الموسيقى العالمية ولكن أي مطر يقصد؟ 

وما معنى هذه الموسيقى المضطربة؟

صحيح أن الفيلم انتهى بلقطات لنصب(إنقاذ الثقافة) لكن إذا انتقلنا من الفيلم إلى السينما فإنَّ السؤال المنبثق بهذا الصدد: مَنْ ينقذ السينما العراقية من 

عشوائية أو تخبط سوء الإدارة والتنظيم والاختيار والشح في الإنتاج مع هذه المحدودية في النوع السينمائي المنتج سنوياً 

والمقتصر على الفيلم الروائي القصير أو بعض أفلام  (الأنيميشن)،مع عدم وجود خطة إنتاجية جادة في معاودة إنتاج الأفلام الروائية الطويلة التي نريد لها أن تكون حاضرة وتحمل معها الملامح البارزة والمميزة للسينما العراقية وتخوض التحدي في الميدان الحقيقي للسينما حيث التواجد والحضور في صالات العرض الجماهيري ومواجهة شروط ومتطلبات شباك التذاكر؟.

وقبل هذا كله هل لدينا طموح فني أو نيّة أو تخطيط مبدئي أو خطة إنتاجية جادة واضحة ومحددة لمشروع السينما العراقية المستقبلية أَم أننا نبقى في إطار الفعاليات والأنشطة والمناسبات السينمائية والتي غالباً ما تأتي في صورة (اسقاط فرض)أو(تسجيل حضور) ليس إلاّ والذي لا يحمل معهُ  أية مقوّمات أو مرتكزات العمل السينمائي المؤسساتي الذي يتبنى  الشروع بالبناء والتأسيس لسينما مستقبلية تحلم بها وتطالب بها الأجيال الفنية المقبلة.

ومن هنا يتوجب على دائرة السينما والمسرح وهي الجهة الرسمية المختصة بالإنتاج السينمائي في العراق أن تعيد هيكلة لجان قراءة وفحص وتقييم النصوص السينمائية كما يتوجب إعادة النظر بالمواصفات والشروط الواجب توفرها للأفلام المرشحة للإنتاج السينمائي وتحديد(الجدوى) و(الحاجة) و(الأهمية والضرورة) و(الغاية) من وضع الخطة الإنتاجية وتنفيذ فقراتها.

وأحسبُ أن الافتتاح الرسمي لهذا المهرجان السنوي وبـ (رعاية) السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وبحضور مستشاره الثقافي الشاعر عارف الساعدي وباشراف وزير الثقافة وحضور اثنين من وكلاء الوزارة ينبغي أن يترجم إلى رعاية ثقافية حقيقية ومخلصة، ودعم سينمائي عملي ملموس ويُعبّرُ بأصدق تعبير عن الإيمان الحقيقي بأهمية السينما في حياتنا الثقافية والاجتماعية وإبراز أهميتها في حياة الفرد والمجتمع معاً، وهو ما يتوجب العمل عليه من قبل الحكومة نفسها ووزارة الثقافة ودائرة السينما والمسرح  وبعض الجهات الساندة أو الراعية وبجهود مشتركة وبروح الفريق الفني الواحد من أجل صياغة مشروع السينما العراقية بآفاقها المستقبلية وانفتاحها على مديات التطور والتجارب المتفردة والناضجة بعيداً عن(الفرقعة)الإعلامية المؤقتة والجعجعة التي لا تنتج طحيناً والمناسبات الطارئة والأفلام القصيرة التي لا ترسخ في الذاكرة طويلاً.

ويقفُ مهرجان أيام السينما العراقية بدورته السابقة ودورته الحالية هذه السنة أكبر دليل لحاجتنا الماسة لمثل هذه المراجعة والتقييم والتقويم لواقع السينما لدينا وتصحيح مسارها الذي يعاني من العديد من مظاهر الاخفاق والتعثر وعدم وضوح الرؤية لدى الجهات الرسمية العليا والمعنية والمختصة بالإنتاج السينمائي العراقي.