هل فقدنا البوصلة؟

آراء 2019/04/23
...

حمزة مصطفى
 
هل انهار المجتمع أو يكاد؟ الأخبار المتداولة مؤسفة وكارثية. لايكاد يمر يوم من دون أن نشهد مشهدا لحالة أو محاولة انتحار. الدوافع مختلفة. بعضها مادية وبعضها نفسية. من يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي يصاب بالهلع أو يكاد لهول مايقرأ من أخبار غريبة عجيبة.
المؤسسة الدينية ممثلة بالمرجعية العليا وغيرها من المؤسسات الدينية ممن نسمع نصائحها عبر خطب الجمعة باتت تدق جرس الإنذار بقوة. لكن هل من مجيب أم مستجيب؟ الدولة بمؤسسة القضاء بالدرجة الأساس تعلن هي  الأخرى نتائج كارثية   على صعيد ارتفاع غير مسبوق بحالات الطلاق. مراكز الشرطة ترصد حالات غير مألوفة على مستوى طبيعة الجرائم التي ترتكب على مدار اليوم لا الإسبوع.
لكن  يبقى السؤال .. هل مايجري هو أمر طارئ على المجتمع العراقي, أم أن كل شيء مما نشكو منه اليوم كان موجودا لكن مسكوت عنه؟ ممكن نعم..، وممكن لا..، في الوقت نفسه. صحيح كانت الأنظمة السابقة تمنع تداول أخبار الجرائم والحالات الشاذة لأسباب مختلفة لكن الأهم إنه لم يكن وقتذاك فضاء إعلامي مفتوح ويصعب السيطرة عليه بحيث يسمح بتداول كل ماهو ممنوع.
 في الواقع أن الكثير مما يجري اليوم طارئ على مجتمعنا, وقد تم استيراده مع السوشيال ميديا التي جلبت معها كل نواتجها السلبية. وبما أننا العراقيين دخلنا متأخرين على عالم الانفتاح بالقياس الى من سبقنا فقد بتنا ندفع الثمن مرتين. مرة بسبب التأخر وهي مسؤولية تتحملها الأنظمة السابقة, ومرة بسبب عدم وضع قيود لهذا الانفتاح وهي مسؤولية حكومات 
ما بعد 2003.
لايوجد مجتمع  صالح بالمطلق أو طالح بالمطلق. لكن يوجد مجتمع قادر على التعامل مع كل  التحولات التي يمر بها بطريقة طبيعية وآخر تبدو موجات التغيير فيه أكبر من قدرته على التعامل
 معها. 
في بعض دول الغرب يتم التعامل مع كل حالات الشذوذ مهما كانت مفزعة ومقرفة. بينما نحن أرعبتنا لعبة "البوبجي" أو سواها من الألعاب وأدت الى حالات طلاق غير مسبوقة لأسباب أكثر
 من تافهة. كما أن العابا دخلت فجأة الى مجتمعنا بدون ضوابط شجعت حتى صغار السن  على الانتحار. الانتحار بحد ذاته تحول الى مشهد تمثيلي.  هذا كله يعود  الى الفجوة بين ماكنا عليه سابقا ومابلغناه الآن. 
والسبب في ذلك يعود -في تقديري- ليس الى خراب المجتمع أو انهياره مثلما يجري تصوير الأمر بقدر مايعود الى عدم ضبط إيقاع التطور والتغيير المفاجئ في المجتمع. مجتمعنا لايزال متماسكا الى حد كبير. ولاتزال مقومات الخير والصلاح أكثر بكثير مما يبدو سيئا أو شاذا.
فالحالات التي نشاهدها أو نتعامل معها لاتشكل بعد ظاهرة يمكن الخوف أوالخشية منها بقدرما تمثل اختلالات في السلوك تحتاج الى تطبيق صارم
 للقانون أولا. 
ومحاربة ظواهر الفساد المرتبطة بهذه الحالات وهي كثيرة. كما تحتاج الى صرامة في التربية والتعليم بدءا من رياض الأطفال حتى الدراسات العليا في الجامعات. كما تحتاج الى شراكة حقيقية داخل قوى المجتمع الحية وفي طليعتها النخب الفكرية والثقافية والمؤسسة الدينية .