عبدالزهرة محمد الهنداوي
عقود طويلة، والاقتصاد العراقي رهين محبس النفط.. عانينا خلالها الكثير من المشكلات، نتيجة مايتعرض له النفط من اضطرابات،، هذا الحبس الطويل، ادّى إلى تهالك باقي القطاعات، اذ ليس أمامنا سوى أن نحفر الارض ونبيع النفط لنأكل الخبز، وكلما بانت ملامح أزمة عالمية، وضعنا ايدينا فوق قلوبنا، خشية انهيار الاسعار، وبالتالي، لايبقى لدينا ما نشتري به الخبز!
ولأن النفط برمته تحت سيطرة الحكومة، فقد صارت الوظيفة الحكومية هي حلم ومطمح الشباب، فكانت النتيجة، النفط لموظفي الدولة، ما دفع باقي الشرائح للمطالبة بحصتها هي الأخرى من هذه الثروة، ولم يعد أحد يفكر الا بخيارين لا ثالث لهما، اما الوظيفة أو الرعاية الاجتماعية! فتضخم الاثنان، لمستوى بات يهدد بالانفجار، لأن فلوس النفط لم تعد تكفي لتغطية هذه المتطلبات!. وطيلة هذه العقود، كنّا ننتظر حلاّ أو قدرا يطلق الاقتصاد من محبسه، فتحدّث الكثيرون عن حلول ومعالجات لهذه المشكلات، فهناك من تحدّث عن تطوير السياحة، وآخر قال إن الحل في الصناعة، وثالث يرى العلاج في الزراعة، ورابع ذهب إلى الضرائب والجمارك والمنافذ.. إلخ إلخ.. ولكن لم يتحدث احد عن قطاع النقل، وأثره في تحريك باقي القطاعات، فهو كما الشريان، الذي يديم الحياة في أعضاء ومفاصل الجسد كافة.
الكثيرون يزورون بلدان العالم، فيعودون مبهورين بما يشاهدونه من طرق سريعة وسكك حديد متطورة، وسفن عملاقة ترسو في موانئ متكاملة، وشركات طيران تتوافر على أساطيل حديثة، وغير ذلك، ثم يتساءلون لماذا لا نكون نحن مثل تلك البلدان، لماذا قطاراتنا بطيئة، وطائراتنا قليلة، وطرقنا السريعة خاوية، وموانئنا ما زالت دون مستوى الطموح؟!
ويبدو أن مشروع طريق التنمية الذي انبلج صبحه من بغداد، سيحمل الاجابات عن كل هذه التساؤلات المزعجة،
وهنا لا أريد أن أبدو كثير التفاؤل، مع وجود الكثير من الاصوات، التي لا ترى في مشروع طريق التنمية، سوى ممر لنقل بضائع دول المنطقة، وأظن أن قولا مثل هذا فيه إجحاف وتقزيم للمشروع، فهو ليس ممرا وحسب، وهنا أتحدث عن المعطيات التي تحدث بها خبراء الاقتصاد، اذ يمثل المشروع، بدء مرحلة جديدة يشهدها العراق، يكون فيها البلد محورا ومرتكزا تدور حوله باقي بلدان المنطقة، اذ يعتمد طريق التنمية بالاساس على ميناء الفاو، وليس بديلا عنه، ولذلك كلما كانت القناة البحرية (الميناء) اكثر فعالية، كلما انعكس ذلك على ازدهار القناة الجافة، وهذه القناة ليس مجرد طريق مبلّط وحسب، انما هي عبارة عن مشروعين، الطريق البري السريع والسكة الحديدية اللذين يربطان اقصى نقطة في الجنوب (ميناء الفاو الكبير) بأقصى نقطة في الشمال (فيش خابور) على الحدود التركية، ويمران في اكثر من نصف محافظات العراق بمسافة تصل إلى أكثر من ١٣٠٠ كيلو متر.
المشروع سيسهم بنحو واضح في تحقيق التنمية في المناطق التي يمر بها، من خلال مئات الآلاف من فرص العمل التي يوفرها، ومليارات الدولارات التي ستدخل إلى خزينة الدولة، ونشوء المدن الصناعية والسكنية، والانشطة الاقتصادية الواسعة، التي تتحرك مع بدء عمل هذا المشروع، وكل ذلك سيحقق حالة من الاستقرار غير المسبوق في البلد، وهذا سيدفع كل بلدان المنطقة على أن تكون حريصة على استقرار العراق، لأن لها مصالح وبضائع واستثمارات في مشروع طريق التنمية، وهو بهذا فعلا سيكون طريق العراق إلى التنمية.
واذا كان المشهد كذلك، وهو كذلك، فلماذا هذا التخوف، من مشروع طريق التنمية؟
فلقد آن الاوان فعلا لاطلاق سراح الاقتصاد من محبس النفط، وهذا المشروع يمثل فرصة ثمينة للاقتصاد بأن يكسّر قيود الأحادية النفطية، ولكن كل ذلك بحاجة إلى إرادة قوية، وأظنها باتت متوفرة اليوم.