حيدر علي الأسدي
تسيطر الموجة الرابعة للثورة الصناعية على كل مفاصل الحياة العامة، لكن أن تنخرط في المعرفة والثقافة والفنون هذا ما لم يتوقعه أي أحد في العالم، رغم النظريات الفلسفيّة التي تحدثت عن حلول مرحلة (مابعد الإنسان) وإحلال الآلة الصناعيّة محل الإنسانيّة في ظل مفاهيم (انترنت الأشياء، الذكاء الاصطناعي، الروبورت وغيرها)، ربما نحن على اعتاب ما أطلقه (هانز مورافيك) الذي تنبأ بمستقبل تنتقل فيه الروبوتات من كونها عبيدا بدائيين ذوي تفكير حرفي إلى كيانات وفي النهاية تفكر مثل البشر.
لكن هذا الامر يقودنا تاريخياً الى مسرحية (إنسان روسوم الالي) للمؤلف التشيكي كارل تشابيك والتي عرضت لأول مرة عام 1921، وقدمت أول مرة لمصطلح (روبوت Robot) وأصبحت هذه المسرحية ملهمة ولاقت نجاحاً كبيراً وترجمت لأكثر من 30 لغة، إذ تحدثت عن مصنع لتصنيع أشخاصًا اصطناعيين، يُطلق عليهم الروبوتات، وتكون هذه الروبوتات كائناتٍ حيّة من لحمٍ ودم اصطناعيين وليسوا آلات، وتسعد بالعمل مع البشر ولكنها في الأخير تتمرّد وينقرض الجنس البشري ويتحول البشر إلى طبقة خادمة في المجتمع على عكس فكرة الروبوت (الخادم).
وهذه رؤية استشرافية خطيرة طرحت بالعديد من الأفلام السينمائية والادبيات الغربية بخاصة في ظل الصعود المخيف للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وشيئا فشيئا بات الروبوت حاضراً كقيمة فلسفية وفنية في مسارح البلدان الأوروبية ففي مسرحية (من الان فصاعداً عام 1987) للكاتب والمخرج الإنكليزي الان أيكبورن تطرق لموضوع كوميدي ممزوج بالخيال العلمي وفيها يحضر الروبوت كخطيبة في محاولة الزوج لإثارة حفيظة
طليقته.
وفي معرض سياق المسرحية تظهر الكوميديا من خلال بيان بعض (الأعطال في الروبوت) والتي تتسق وتتوازى مع (بعض سلبيات البشر) وقدم كذلك آلان أيكبورن مسرحيته (مفاجآت) عام 2012، التي طرحت فكرة مفادها هل أن هناك فرقا بين الذكاء الاصطناعي والبشر، عبر افتراضات تتحدث عن المستقبل القريب ومفاهيم الطب وطول العمر، وعام 2017 تعتلي الممثلة جودي نورمان خشبة المسرح لتؤدي دورها في مسرحية (سبيليكن) إذ إن البطل الذي وقف إلى جوارها آنذاك ليس ممثلاً بشرياً، بل إنسان آلي وتحدثت المسرحيّة عن صانع روبوتات يصنع إنساناً آليَّاً ليؤنس زوجته بعد أن يموت. وقال الكاتب والمخرج جون ويلتش: “قمنا ببرمجة كل شيء يقوله الإنسان الآلي وكل شيء يفعله كل الحركات.» أما عام 2018 فقد طرحت شركة هيومان ماشين البريطانية ومعناها (الإنسان الآلة) مشروعاً جديداً لتقديم عرض مسرحي مميز وفريد من نوعه يشارك فيه البشر والروبوتات معا، في إطار سلسلة من المبادرات التي تهدف إلى إدخال الإنسان الآلي وبرامج التعليم العميق إلى عالم الفنون. إذ طور الباحثان بيوتر ميروفسكي وكوري ماثيوسن برنامجاً للارتجال على المسرح يعتمد على تقنيات التعليم العميق للآلة، كما قاما بتدريب البرنامج اعتماداً على عبارات الترجمة في الأفلام السينمائية، واستطاع هذا البرنامج بالفعل ابتكار عبارات حوارية تندرج في سياق العمل الدرامي وتصلح لتقديمها في العرض المسرحي. وعام 2021 انشأت شركة أوبن ايه آي روبوتاً مصمماً لإنشاء نص من خلال الاعتماد على الذكاء الاصطناعي اذ يستخدم مستودعا هائلا للمعلومات المتاحة على الإنترنت لكتابة نص ما وقد استطاعوا للاعتماد عليه في انتاج 90 بالمئة من مسرحية تم عرضها على الإنترنت، الذي أشرف على السيناريو الكاتب المسرحي ديفيد كوشاك قال: إنها أشبه بنسخة مستقبلية من مسرحية الأمير الصغير وتبلغ مدتها 60 دقيقة بعنوان (الذكاء الاصطناعي: عندما يكتب الروبوت مسرحية) ويروي رحلة شخصية (روبوت) تخرج إلى العالم للتعرف على المجتمع، والعواطف البشريّة المنتشرة لدى الافراد، اما في منطقتنا العربية فعام 2022 ومن الإصدارات المميزة والغريبة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بدورته الـ 29 تم اصدار مسرحية مترجمة تعد الأولى من نوعها لان كاتبها هو روبوت ذكاء اصطناعي والذي تصدى لترجمتها الكاتب والباحث اليمني هايل علي المذابي وهي بعنوان (عندما يكتب الروبوت مسرحية).
ويقول المذابي إن المسرحية التي كتبها روبوت ذكاء اصطناعي تم عرضها في الاحتفال بالذكرى المئوية للكاتب التشيكي كارل تشابيك في يناير 2021 بعد ان تم تكليف روبوت «GPT -2» الذي دربه اتحاد OpenAl . وهذا الروبوت عبارة عن دماغ اصطناعي كبير تم تدريبه على صياغة الجمل وفنون الانشاء وهيكلة النصوص بحيث يحفظ قرابة 900 مفردة خاصة بالصياغة اللغوية وتحوي ذاكرته آلاف المقالات التي يحتفظ به اتحاد OpenAl ضمن ارشيف الانترنت لتكون مرجعية للروبوت عندما يحتاج الى صياغة نصوص من اي نوع وكل ما يلزم ليتم ذلك فقط ادراج مقطع قصير من اي نص لتكون مهمة الروبوت هي انجاز البقية مستخدما المفردات الخاصة به وهي 900 مفردة ومستخدما تلك الآلاف من المقالات الموجودة في قاعدة بياناته، وهذا ما يشكل خطراً حقيقياً على الكتاب والكتابة في المستقبل القريب، وكل هذا يتسق مع نظريات (المسرح الافتراضي، تكنولوجيا المسرح، المسرح الرقمي، وغيرها من المصطلحات والتجارب) التي خصصت للحديث عن توظيف التقنيات الحديثة والتكنولوجيا بفضاء المسرح سواء على مستوى الإخراج أو التقنيات أو حتى الأداء والكتابة، وهو الامر الذي يؤكد على دخول الذكاء الاصطناعي جميع مستويات الحياة
المعاصرة.