اعداد وترجمة / عبدالصاحب محمد البطيحي
(إي .أم. فورستر روائي وقاص وكاتب مقالات بريطاني (1879 - 1970 ) هو أحد مشاهير العصر الحديث، كتب عددا من الروايات ،من خلالها كان يظهر اهتمامه بالعلاقات الشخصية وما يقف في طريقها من العقبات الاجتماعية والنفسية والعرقية ، كما كتب عددا من القصص القصيرة من بينها قصة “ الماكنة تتوقف “و هي من الخيال العلمي تتألف من (12300 ) كلمة في النص الانكليزي، تنطلق في عالم افتراضي حيث تعيش البشرية في أسفل سطح الارض، معتمدةً، بنحو كلي، على ماكنة هائلة تلبي كل احتياجاتها ترمز الى الهيمنة المطلقة للتكنولوجيا في العصر الحديث ،هذه التكنولوجيا التي تنتزع ارادة الانسان بما تقدمه من تسهيلات، وفي الوقت ذاته مما تسبب له من معاناة دائمة نتيجة لما تفرضه من قوانين صارمة وعقوبات شديدة
الضراوة.
الكاتب هنا يعارض ما يذهب اليه أج. جي ، ويلز في روايته “ ماكنة الزمن “ التي تتحدث عن الناس وهم يتمتعون بمباهج الحياة .
ترتكن قصة “الماكنة تتوقف” على الخيال العلمي ،عند قراءتها بهدف المتعة والبحث عن المعرفة، علينا أن نرجئ “عدم التصديق” ونذهب الى الناحية التنويرية التي يريدها الكاتب وهي ان التكنولوجيا الحديثة لها مسربان في الواقع ، فهي من جانبٍ ، تسخّر الآلة لخدمة الانسان لتختصر له الزمن غير انها من جانب آخر تلقي عليه مسؤولية ما تنطوي عليه من . عيوب اضافةً الى انها ، في النتيجة النهائية، تقف عاجزة عن تلبية احتياجاته كونها تجنح الى تأسيس سلطة التفرد والقهر عن طريق تكوين فكرة التقديس الكهنوتي الذي ينتهي بالتالي الى الانغلاق ورتابة الخضوع وانعدام المبادرة الفردية والاكتفاء بالواقع المفروض باعتباره النتيجة النهائية المقبولة .
وكما هو الحال في كل مجتمع، فإن العلاقات الاجتماعية والموقف من السلطة تنتج عنهما فئتان ، احداهما مؤيدة ترى في الأوضاع الراهنة مثلها الأعلى واخرى نافرة تتكشف لها مظاهر الخلل.
في قصة “الماكنة تتوقف” يتجه الرمز لهاتين الفئتين بشخصية الأم ،فاشتي ،ممثلة لتلك الفئة المؤيدة لنظام الماكنة مبررة ذلك بقولها : “ تطعمنا الماكنة ، تكسينا وتأوينا ، من خلالها نتبادل الأحاديث ، من خلالها نحقق كينونتنا ، الماكنة صديقة الأفكار ، عدوة الخرافات ،هي خالدة ، كلّية القدرة ... مباركة هي الماكنة .” وشخصية ابنها ،كونو” ، الذي يمتلك حيوية متدفقة يمتلكها ذلك الجيل الجديد التواق الى التغيير. يتضح هذا من الحوار بينهما عبر جهاز “النيو ماتك “ :
“ - اريد ان أراكِ ليس من خلال الماكنة المتعبة
- اصمت . لا تسيء الى الماكنة .
- أنت تتحدثين كما لو ان الهاً خلقها . . صنعها بشر ، وعلى الرغم من انها شيء كبير فهي ليست كل شيء ، ذلك انها لا تنقل ظلال التعبير وحقيقة المشاعر . “
لذا بعد ان ينكشف امره تحكم عليه اللجنة المركزية بالتشرد الذي يؤدي الى الموت .
على الرغم من تعرض الماكنة أخيرا الى الخلل والدمار بسبب “ شخص ما يعبث بالماكنة ،يريد اعادة المبادرة الذاتية “ فاراد لها التعطيل مما نتج عنه، بعد فشل محاولات التصليح ، واقع مغاير توقف فيه كل شيء وواجهت فاشتي وابنها النهاية المأساوية : “ بكى الاثنان من اجل الانسانية .. ادركا اهمية ما كان على سطح الأرض .. ها هو الانسان ، زهرة كل حي، يموت . “
يبدو ان ذلك كان يلقى قبولا عند الابن “ كومو” الذي كان يرفض واقع الماكنة أملاً في خلق عالم جديد يتواشج مع عالم ما قبل الماكنة فهو يخاطب امه بعد الدمار الذي حل بالماكنة: “ عدنا الى خصوصيتنا كما كنا قبل الماكنة .. نحن نموت لكننا استعدنا الحياة . “
هنا اشارة الى ان العالم الجديد سيتمثل بكل المشردين الذين رفضتهم الماكنة بسبب آرائهم والذين عوقبوا
بالتشرد .
-------------------------------------------------------
* فورستر (1879 - 1970): أحد مشاهير كتاب العصر الحديث . ولد في لندن .كتب روايات عديدة منها “ الطريق الى الهند” وله ايضا كتاب “ اركان الرواية “ .
نشرت قصة “الماكنة تتوقف” عام 1911 واختيرت كأفضل رواية قصيرة حتى عام 1965