توظيف التراث في المسرح العربي..

ثقافة 2019/04/23
...

 
صباح محسن كاظم  
ثمة علاقة روحية بين المتلقي والعرض المسرحي الهادف وهو يحدق بدهشة لخشبة المسرح متفاعلا مع المشهد البصري، فضلا عن  جماليات مكملات السينوغرافيا من تأثيث المشهد السمعبصري وكل مايحيط بالعرض المسرحي من أجواء تجعل المتلقي مشدودا لما يقدم، ويحلق عاليا مع فضاءات الدهشة والجمال.. أسوق تلك المقدمة وبين يدي كتاب ( توظيف التراث في المسرح العربي) للدكتور “ يحيى البشتاوي” الصادر بالشارقة بـ292 صفحة ضمن سلسلة دراسات مسرحية. أكد “المؤلف” بمقدمته ص7 :ارتبطت إشكالية تأصيل الخطاب المسرحي العربي في أذهان كثير من المسرحيين العرب بالتراث، وكان طبيعيا أن تبرز لديهم ثنائية الأصالة والمعاصرة، بوصفهما تحققان وحدة باطنية عضوية تعبر عن الرؤية المعاصرة للتراث التي تفرض علينا أن نتعامل معه كمواقف وحركة مستمرة من شأنها أن تسهم في تطوير التأريخ وتغيير نحو القيم الإنسانية المثلى...)إن الخطاب الجمالي التواصلي بالمسرح له سطوة الهيمنة على العواطف والقلوب عند الحضور بالمسرح الجاد و الهادف الذي يعالج قضايا إنسانية .
 درس د. البشتاوي بشكل معمق كل تفاصيل قضية التراث والمسرح وكيفية توظيفه بالعرض المسرحي الناجح.. وناقش بفصول الكتاب التي عمقت المفاهيم والمعايير من خلال رؤية المؤلف بذلك حيث جاء الكتاب بفصول شيقة متسلسلة، متجانسة، تخدم المختص والمتلقي معا.تناول موضوعات برؤية جمالية بالفصل الأول عن : التراث بين الأصالة والمعاصرة- توظيف التراث في الأدب المسرحي العربي-فيما أكد عينات إجرائية بالفصل الثاني عن توظيف التراث في الأدب المسرحي المصري، ثم السوري، و الفلسطيني، والإماراتي.. بينما ركز بالفصل الثالث: توظيف التراث في عروض فرقة مسرح الحكواتي اللبناني، و الفلسطيني، وتوظيف التراث في عروض جماعة المسرح الاحتفال.. وتوظيف التراث في مسرحياتنا العراقية لقاسم محمد وأخيرا غنام الغنام.
لفتت انتباهي عبارة رائعة في ص19 أكد فيها “المؤلف” ان الجدل الفاعل يستلزم أن ننظر إلى التراث بوصفه نصوصا لا قداسة لها على الإطلاق، لابوصفه حقائق مطلقة ونهائية بالإمكان أن تشكل معيارا بوجه السلوك الإنساني، فهناك اشتباك وحضور متبادل للتراث والآخر في وعي الذات العربية القارئة....) لقد بذل المؤلف الجهد الكبير في تقصي العروض، والتحليل النقدي العميق لتلك العروض والتجارب بالوطن العربي، مؤشرا استلهامها للتراث وتمثلاته.. وقد عرج على العراق بدراسة رؤى  المخرج المبدع قاسم محمد بالتأكيد في ص 219”حينما نتحدث عن الفنان العراقي قاسم محمد فاننا نقف أمام سيرة فنية حافلة بالبحث والعطاء، لاسيما محاولات المتقدمة في توظيف التراث العربي الإسلامي في المسرح، وتأصيل المسرح العربي بصيغ وإمكانات فنية متقدمة، فهو في كتاباته وإخراج لنصوصه الاحتفالية، إنما يخلق نوعا من التجانس بين الموضوعية التاريخية والمادة التراثية، ليقدم لنا نصوصا لها من الإمكانيات الدرامية مايؤهلها للتعبير عن فلسفته الفنية....).سياحة جميلة بالمسرح العربي من المغرب العربي لمشرقه.. لذا فأن هذا الجهد الجمالي، والمعرفي، بالمسرح يقدم لنا رؤية تحليلية معمقة بالتعاطي مع التراث الزاخر  بمختلف الجوانب  الثقافية، و الاجتماعية، والسياسية.. لاسقاطه على الواقع متماهيا معه بالجانب الذي ينفع المتلقي والواقع.