المتاحف عند جيمس هاريثاس

ثقافة 2023/05/31
...

ضحى عبد الرؤوف المل

 انتقل “جيمس هاريثاس “ ((  James  Harithas من البوتقة الجمالية إلى الإنسانية الفنية، ورسالة البحث عن اختيارات تشكيلية تهدف إلى خلق حداثة حيوية في عرض فني مستمر في المتاحف التي تهتم بالرسالة الإنسانية التي يحملها الفنان على كاهله، لتكون بمثابة نافذة تطل منها الأجيال على بعضها البعض، للتعبير عن الهموم البشرية وتحويلها إنسانيا إلى بصريات مقروءة حسيا من خلال المتحف الذي يحتاج إلى رؤية تنظيمية هادفة ثقافيا وجمالياً وإنسانياً، إذ يُسلط الضوء على الأعمال الواعية فكريا وجماليا، والمحملة برسالات اجتماعية متعددة،  وإن كانت من قبل فنان غير معروف، فما يبحث عنه “ جيمس هاريثاس”  هو الطموح الفني بقوة البحث والإصرار خارج مشهد العرض والطلب المعروف في المعارض التقليدية . فمن يتبوأ هرم الفن التشكيلي هو الذي يُقدم الأعمال الفنية الموضوعية في التزاماتها بالعدالة الاجتماعية، والحقوق والواجبات، والتغيرات المكانية والزمانية والسياسية، وحتى كل ما من شأنه أن يدمر الإنسانية. إذ  استطاع” جيمس هاريثاس” خلق التمثيل الفني عند من يعجز عن تأمين المعرض المفتوح الذي يستطيع من خلاله الإطلالة على الجمهور عبر متاحفه وتنقيتها من الشوائب والأهداف المادية، لتكون جمالية إنسانية بالدرجة الأولى، وتضمن لكل باحث عن المتاحف الفنية أن يستكمل المسير الذي بدأه قبل رحيله، ليكون قدوة تُحتذى في مجالات جمع اللوحات من الفنانين الذين يحتاجون لمتحف يعرض إنتاجاتهم،  ولتصبح  اقتصاديا مرجعا لمن يقدّر قيمة المعنى الإنساني أولا،  ومن ثم لتنشيط الدورة الاقتصادية عبر المتاحف،  وما تتضمنه من نظرة اجتماعية وإنسانية تعيد للأجيال الذاكرة عبر الفن . فقد انتقل إلى هيوستن في عام 1974 ليبدأ الإشراف لمدة أربع سنوات في متحف الفنون المعاصرة . هناك أقام معارض لفنانين من تكساس مثل “ جيمس سيرلز” و”لين راندولف” ، بالإضافة إلى أول عرض منفرد لجوليان شنابل . فهل يمكن لمتحف فني أن يصبح مدينة تشكيلية مبنية من لوحات ذات أهمية تجمع إنسانيا كافة المتناقضات في الحياة؟.  

تميز “جيمس هاريثاس”  بالأحساس بالواقع المعقد ذهنيا وبصريا والذي يمكن تفكيك تعقيداته من خلال الفن ومؤثراته البصرية في ذهن الإنسان، داعما الفن السياسي بقوة، وبتأييد لفنانين فلسطينيين وكولمبيين ومكسيكيين، مركزاً على الظروف المأساوية التي مروا بها، ليسلط الضوء على العنف بشجاعة ورؤية مع الاهتمام بالفنانين العراقيين المعاصرين، وبآخرين من كل أنحاء العالم بغض النظر عن الانتماء أو الهوية مرتكزا على كل ما هو إنساني بالدرجة الأولى، وهو من أراد أو تمنى أن يصبح فنانا منذ سن مبكرة . فهل شعوره بالالتزام بالفنانين، والاهتمام بتذليل صعوبات العرض الفني المرتبط بالمعارض جعله ينصهر بقضايا الفنان، والتركيز على القضايا المثيرة للجدل وهو المولود في الواحد من ديسمبر عام 1932 في لويستون بولاية مين، وأمضى الكثير من طفولته بين مينوأوكلاهوما قبل أن تستقر عائلته في ألمانيا؟. بلا شك أن “ جيمس هاريثاس”  الذي توفي يوم الخميس في الثالث والعشرين من شهر آذار عن عمر يناهز 90 عاماً ، كان الأكثر تأثيرا وقوة على الانصهار في بوتقة الفن التشكيلي على مدار الخمسين عاما الماضية، لما يميز مسار حياته عبر المتاحف التي رعاها أو أقامها أو حتى تلك التي أشرف عليها في هيوستن بصبر وأناة وتؤدة، وهو المؤسس المُشارك لمتحف (Art car)  ومتحف (station) وقد أمضى شبابه بين الأنقاض وإعادة إعمار ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية قبل أن يستقر في أمريكا،  فقد استطاع رعاية المبدع الفني من الألف إلى الياء في جميع مراحل حياته المهنية من خلال التوجيه لمن لم يحظوا باهتمام كبير في المتاحف الكبرى،  ونقلهم من المجهول إلى المعلوم التشكيلي وبدهشة تثير المتابع له على مدى حياته التي ركز فيها على المنظور النقدي بشكل جدي ومتقن،  وبإيمان مطلق وراسخ أن الفن ينظم الحياة الاجتماعية والسياسية بكافة تفاصيلها . لذلك قام بتنظيم العديد من المعارض في المؤسسات التي شارك في تأسيسها لأغراض إنسانية . فهل يمكن للمتاحف التأثير في العقل البشري مدى الحياة؟ وهل يمكن تحديث المتاحف على مدى العصور لما تمثله من قوة سياسية تجدد الرؤية باستمرار،  وتشدد على حرية الفن بكافة أشكاله لأهميته القصوى في تخليد رسالة ما؟  وهل بصمة هؤلاء تستمر مدى الحياة كالجندي المجهول الذي يحارب من أجل السلام وبناء إنسان الغد؟ .