قاسم حمزة.. الشمس موضوعاً للسيراميك

ثقافة 2023/05/31
...

البصرة: صفاء ذياب


 حينما يُمسك فنان بالشمس، ليقلّبها إلى أشكالٍ عدّة، كعجينة بيديه، ويُسهم في منحها روحاً جديدةً، حينها سنجد فضاءات مغايرة تخرج من بين يديه، حياة أخرى غير التي نراها وهي في كبد السماء، وهذا ما فعله الفنان قاسم حمزة في معرضه الأخير (حكايا الطين والنار) الذي أقيم قبل أيام في كاليري حامد سعيد في مدينة البصرة.


فحمزة استلهم من الشكل أشكالاً عدّة ليمنحها أبعاداً قدّم من خلالها رؤاه الجماليَّة في السيراميك، فعلى مدى أكثر من أربعين عملاً، وهو ما عُرض في الكاليري، جعلنا حمزة ننتقل من عالم إلى عالم، بين الخزف، واللون، والفضاء، فضلاً عن الروح التي بثّها في تفاصيل أعماله هذه.

 لماذا السيراميك

وفي حديث خاص مع صحيفتنا، أشار حمزة في إجابة عن تساؤلنا: لماذا السيراميك، بأنه بدأ رسّاماً، و”قبلت في قسم الرسم في أكاديميَّة الفنون الجميلة، لكنَّ هناك اختلافات بيني وبين بعض الأساتذة دفعت رئيس قسم الرسم الفنان إسماعيل الشيخلي إلى نقلي لقسم السيراميك، وكان هذا تحدّياً كبيراً، فلم تكن لي أيّ خبرة في هذا المجال، لكنّي تمكّنت بعد شهور قليلة من تطوير نفسي، حتَّى أنَّ بعض الأساتذة طلبوا منّي مساعدتهم في مشغلهم الخاص بالسيراميك، ومنهم سعد شاكر واليوناني فالين تينوس، فضلاً عن أنّني تمكّنت من إثبات نفسي في هذا القسم حتى تخرّجت الأول في الأكاديمية”.

ويضيف حمزة، كان هذا التحدي دافعاً كبيراً لتقديم ما هو الأفضل، حتّى الإتقان، وهذا التحدي جعلني باحثاً عن التطور وتقديم ما هو جديد في هذا الفنّ.

ومنذ ذلك الوقت، قدّم حمزة أعمالاً كثيرة، وجداريات في عدّة مدن عراقية، اتسمت بالإتقان، والتلوين الخاص، والرؤية التي مزج فيها الروح العراقيَّة بالتراث الشعبي الذي كان شغوفاً به.

بين النحت والسيراميك

وربّما هناك من يرى في السيراميك نحتاً بصيغة مختلفة، غير أنَّ حمزة يبيّن هذا الاختلاف من خلال المواد التي يشتغل عليها النحّات، وهي تختلف تماماً عن التي يشتغل عليها الخزّاف، فالنحت يمكن أن يستخدم أيَّ مادة، مثلاً تستخدم الطين وتخلط معه الجص أو البورك أو أيَّ مواد يمكن أن تجفَّ وتصنع منها الأشكال التي تريد. في حين أنَّ السيراميك لا يقبل إلاَّ بالطين الحرّ، يجب أن يكون الطين نقياً تماماً ومن دون أيِّ شوائب، لأنَّ هذه الشوائب تؤثّر في نقاء الشكل والملمس والسطح الذي يجب أن يكون صقيلاً تماماً.

ويضيف، “مع العلم أنَّني اشتغلت بالنحت كثيراً، وعملت منحوتات من الخشب ومن البرونز وغيرهما من مواد النحت، فضلاً عن ممارستي شغفي الأول، وهو الرسم، والسيراميك لا يبتعد أبداً عن الرسم، فهو لوحة مجسّمة بالدرجة الأساس، كما أنَّ أول جائزة أخذتها وأنا في المرحلة الابتدائيَّة كانت بالرسم وليس بأيِّ فن آخر، لكنني عشقت السيراميك بعد دراستي له”.

 كيف يُبنى عمل السيراميك؟

لحمزة رؤية خاصة في بناء عمل السيراميك، إذ كشف عن أنَّ أغلب هذه الأفكار جاءته بسبب وجوده كراصد جوي في الخدمة العسكرية، فقد “كنت أراقب الشمس منذ شروقها وحتَّى مغيبها، لأنَّ الطيران يستفيد من هذه التوقيتات، ومن هناك بدأت برسم غيمة تدخل بالشمس، أو فضاءً مفتوحاً فيه تفاصيل من السماء، وهو ما دفعني لعمل معرض خاص عن الصحون (الماعون)، والفكرة الثانية أنّني جمعت صحنين معاً فأصبح الشكل أشبه بالبيضوي، حتّى بدأت بتكسير هذه الأشكال لإنتاج أشكال جديدة، لهذا هناك مجال للعب بالشكل إلى ما لا نهاية، فضلاً عن إضافة الخط العربي، على الرغم من أنّه ليس من تخصصي، لكنني أضفت أشياء تقترب من العمل الفني منه إلى الخط الخالص”.

أما عن تلوين أعمال السيراميك، فقد كان اتجاه حمزة منذ البداية بالرسم، غير أنَّ عمله مديراً للتراث الشعبي لمدة 23 سنة أثر فيه تأثيراً كبيراً بالتلوين، و”من هنا امتلكت أدوات كثيرة، فالخزاف يجب أن يمتلك أداته الخاصة، فالزجاج كيمياء، تختلط فيه مواد عدّة مثل السيلكا والطين ومواد أخرى، وبالتالي هو معادلة كيميائيَّة، الفنان هو الذي يعرف كيف يستخدمه، فالسيراميك يمكن أن يدخل في الفرن أكثر من مرة، للحصول على النتيجة المطلوبة”.

وهذا ما جعل حمزة يقدّم أعمالاً أثارت انتباه الجمهور، فكان المعرض محط اهتمام كبير، قدّم قيماً جماليَّة لافتة.

يشار إلى أنَّ الفنان قاسم حمزة وُلد ببغداد في العام 1952، وتخرّج في كليَّة الفنون الجميلة، وهو عضو نقابة الفنانين العراقيين، وأمين سر جمعيَّة الفنانين التشكيليين العراقيين.

عمل في تدريس مادة الخزف في مركز التدريب الحرفي في معهد التراث الشعبي، وشغل منصب رئيس قسم السيراميك في معهد التراث الشعبي، ومدير المعارض في المديريَّة العامة للتراث الشعبي، فضلاً عن عمله مديراً للمعارض في دائرة الفنون التشكيليَّة بوزارة الثقافة. وقد أقام عدة معارض داخل العراق وخارجه.