كاتب يتندَّر على النقاد

الصفحة الاخيرة 2023/05/31
...

زيد الحلي 

قرأت الأسبوع الماضي مقالة أدبية، لكاتب عربي، تحدث فيها عن الإيمان بقيم عليا أولها الحرية والمساواة، وأهمية النظرة الفاحصة للحياة من منظور ثقافي، فلسفي بتوازن شامل، مؤكداً ضرورة استيعاب الآخر بمحبة وفهم، بعيداً عن الجدل العقيم الذي يزيد من مساحة الابتعاد، لكن لفت نظري في هذه المقالة، تندَّر الكاتب على النقد والنقاد، بسطور بدت غريبة، وبعيدة عن المنطق العلمي، ذاكراً أن (النقاد) كانوا كتاباً أخطأهم التوفيق أو خذلتهم مواهبهم، فأرادوا أن يثأروا لعجزهم، فانقلبوا نقاداً يتصدون للحكم على ذوي المواهب من الأدباء!.

سارعتُ بالكتابة إلى الصحيفة التي نشرت المقالة، قائلاً: "لو تعرفنا إلى النقد الأصيل، فإن النظرة التي ذكرها الكاتب، ستزول وتضمحل بالتالي؛ لأن الخصومة  بين الناقد والكاتب التي نراها في بعض النقاد الذين يبغون تحطيم المبدع، وتشويه نتاجه هي طارئة، فالنقد الموضوعي دعامة لا يقوم الأدب إلا بها وعليها. 

ومع مسيرتي المهنية الممتدة لسنوات طويلة وجدتُ أن النقاد قلما اتفقوا على رأي في تقديرهم للأثر الواحد، وهذا جانب مشرق، وليس جانباً مظلماً"، وواصلت: "الناقد الذي لا يجد لقلمه مادة إلا في كتاب يؤلفه غيره، ويحصر همه في الكشف عما فيه من محاسن أو عيوب، وفق منظاره، من دون التطرق إلى جوهر الكتاب، هو ناقد ذو نفع قليل للأدب، مهما بلغ من براعة في السبك اللغوي".

واختتمت رسالتي بالقول: "أجد أن على الناقد خلق مقاييسه من نفسه، وعليه إذا كانت له المقدرة أن يحمل القارئ والكاتب الذي ينتقده على احترامها والإيمان بها، ولن يتسنى له ذلك إلا إذا كان أنقى بصيرة وأسلم ذوقاً، وأوسع آفاقاً وأصدق نية وأمضى عزماً، وأشد ثقة بنفسه وبمقاييسه من قارئه ومن منقوده. 

وآمل أن أكون قد أوصلت ما أردت ذكره في الموضوع  لكاتبكم المحترم". 

وما لم أكتبه في رسالتي، هو أن الناقد الحصيف مخلص للقارئ مثلما هو مخلص للإبداع، فنراه يكتب بسلاسة وعمق، من دون تعالٍ، منشغلاً دائماً بجوهر النص، منطلقاً من الإيمان بوظيفة الأدب ودوره المهم في إضاءة الإنسان وبناء المجتمع..

تحية لنقادنا، ماضياً وحاضراً، لحرصهم على مسايرة شتى الظواهر الحداثية وسائر الأسماء الفاعلة، وتحيتي لا تشمل "كشكول" من يسمون أنفسهم نقاداً، وهم غير فاهمين حتى معاني أسمائهم!.