حبال {انخيدوانا السريَّة} في مجسَّدات طه وهيب

ثقافة 2023/05/31
...

  كاظم جماسي 


الرافديني سليل الممالك العظمى، تراثها الثر حضارةً وفكراً، تلك الروح الممتدّة الأرجاء من دون حدٍّ يحدُّها، أول روح زرعت السؤال الأبدي في العقل البشري: ما جدوى أن نحيا ونعمل، نشقى ونفرح، نتوالد ونثرى، نتصارع ونحب، و .. و.. وفي المحصلة ليس لنا إلا أن نموت؟

تبدى هذا السؤال الوجودي الأعظم، بأبهى وأعمق تمثلاته، وبنحو مكثفٍ في شخصيَّة حواء الرافدينيَّة:

يا ملكة كلِّ شيء، أيَّتُها الضوءُ المتوهّج

أيَّتُها المرأة الواهبة للحياة،

مليكتي ..

أنتِ الافتراسُ كلُّه في قوّتكِ

وظللتِ تهاجمين مثل ريح مهاجمِة،

وظللتِ تعولين أعلى من الريح المعولة،

وظللتِ ترعدين أعلى من الرعد،

وظللتِ تئنّين أعلى من الرياح الخبيثة،

قدماكِ لا يمكن أن يصيبهما الإعياء

وجعلتِ الولولة تُعزف على "قيثارة النحيب". / انخيدوانا/ أول شاعرة رافدينيَّة في التاريخ.

 مجسّدات الفنان المخضرم طه وهيب، معتمدة روح ما أسلفنا، راحت تبث وهجها مستلهمة سطوة حضور الرافدينيَّة العظيمة في تفصيلات الحياة اليوميَّة في مجتمعات الحضارات الرافدينيَّة الأكاديَّة والاشوريَّة والبابليَّة والسومريَّة، عبر مرقاب انخيدوانا الفائق الحساسيَّة، بوصفها موئل الخصب وسرَّ الديمومة في الوجود، فهنا، في إحدى مجسّدات الفنان طه وهيب، انخيدوانا تحمل القوس والسهم لتصطاد فرائسها، وهناك تحمل الآنيَّة لتقدم، بتقوى واضحة، الطعام للآلهة، ثم تمضي في القارب قدما لتكتشف ممالك الماء، أو تتحد مع شبيهها حاملين مشاعل الحريَّة.. وغير تلك الالتقاطات الدقيقة من يوميَّات أبناء ميزوبيتيميا..

يقول المفكر الجمالي هربرت ريد "القانون الأكثر عموميَّة في الطبيعة هو الإنصاف – مبدأ التوازن والتماثل الذي يوجه نمو الأشكال على طول خطوط الكفاءة الهيكليَّة الأكبر".

الأمر الذي تصبُّ في جوهره منحوتات المبدع وهيب، فقد امتلأ محيط "الكفاءة الهيكليَّة الأكبر" بها أيا كانت أبعادها، مجسّدات صغيرة كانت أم كبيرة، مستوفية بدقة متناهية الأبعاد الثلاثيَّة المعروفة في فن النحت، بل أوحت لنا ببعد رابع، وبقصديّة من قبل النحّات، تمثل في الخلفية التاريخية البينة على هيئة ما يجسّد من جمال، لتعقد أواصر ارتباط وثيقة مع آلهة ميزوبيتيميا:

مليكتي، جميع الآلهة العظام

فروا أمامكِ مثل خفافيش مرفرفة،

لم يستطيعوا الوقوف أمام وجهك المهيب،

لم يستطيعوا الاقتراب من جبينكِ المهيب،

من يستطيع أن يهدّئ قلبكِ الغاضب!)

/ انخيدوانا