التجديد في المسرح العراقي.. محسن العزاوي أنموذجاً

ثقافة 2023/05/31
...

  د. علاء كريم

المسرح الشامل هو تسمية لمجموعة اشتغالات فن المسرح، وتعدد مساحته التي تشمل كل ما هو سمعي وبصري كـ «الأداء» التمثيلي والرقص والغناء والموسيقى والديكور والإضاءة، وهو بذلك يتوجه إلى كل الحواس. ومنه المسرح الغنائي الذي يعتمد على محاكاة الفكرة عبر الأغاني الجماعيّة أو الفردية، وأيضاً الاستعراضات الراقصة والحوارات المنطوقة، والكوميديا الموسيقية، وما يميز المسرح الغنائي عن بقية الاشتغالات هو استخدام ألوان مختلفة من الموسيقى التي تحقق المتعة والتسلية والترفيه، ومثل هذه التجربة تشبه في أسلوبها الجديد ذلك الأسلوب الذي اتبعه مفكر المسرح الحديث، الألماني (ماكس راينهارت) والذي عرف منتصف الأربعينيات، بأنه كان يهتم بمفاجأة الجمهور بكل ما هو جديد، فضلا عن أنه حرك كل ما هو ساكن في المسرح، وايضاً مسرحة بعض الرؤى والأفكار بشكل ابداعي في بعض المشاهد، وجعل البقية تخضع لحركة المجموعة المثيرة.

تبين هذه المقدمة أهمية هذا الفن، وايضاً وعي الفنان الذي قدم خلالها تجارب إنسانية مهمة، وفي المسرح العراقي تميز بهذا الجانب الفنان (محسن العزاوي)، الذي يمتلك مسيرة فنيّة مهمة، ومجموعة الأعمال التي قدمها للمسرح وللتلفزيون والسينما على امتداد (60) عاماً ممثلاً ومخرجاً منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي. 

كما أن بداياته كانت من ضمن تجارب الجيل الثالث في المسرح العراقي والذي ضمَّ أسماء مهمّة، لما تمتلكه من رؤى ومفاهيم أسست لمعنى التحولات في المسرح العراقي المعاصر، ومن هذه الأسماء: (جاسم العبودي، إبراهيم جلال، سامي عبد الحميد، جعفر السعدي، بدري حسون فريد، سعدون العبيدي)، وايضاً ما قدّموه في تلك المرحلة من حرفيّة وتنوّع في الأساليب الإخراجيّة، كان له الأثر المهم كما قلت سابقاً في تغير نمط الاشتغال المسرحي العراقي، رغم أن العديد منهم أكملوا دراستهم في أوروبا، ومنهم الفنان محسن العزاوي الذي أكمل دراساته العليا في نظرية المسرح من (جامعة تشارلز) في التشيك، وهو ايضاً خريج أكاديميّة الفنون الدراميّة والموسيقيّة (براغ) جمهورية تشيكوسلوفاكيا سابقاً، ليعود ويعمل مدرساً في (معهد الفنون الجميلة) بغداد، ويشارك في العديد من المسرحيات التي تركت أثرها في الذاكرة العراقية، ممثّلاً ومخرجاً وناقداً.

أسهم (العزاوي) في تأسيس العديد من الفرق المسرحية وإدارتها مثل (الفرقة القومية للتمثيل)، وعمل مديراً للمسارح العامة، وقدم أكثر من ستين عملاً للمسرح العراقي، منها: (نديمكم هذا المساء، رثاء أور، البوابة، السور، أحداث من مجالس التراث، شجرة العائلة، نشيد الأرض، فرمان الوالي)، كما أصدر العديد من الكتب، منها: (المسرح وعلاقاته المجتمعيّة، إشكالية السينوغرافيا في المسرح، من الحكواتي إلى تكنولوجيا العرض، فنون المونودراما، دور المرأة في المسرح العراقي). 

هذا التنوع في الاشتغالات الفنية والدرامية وايضاً الفكرية ينزاح إلى مفهوم الفن الشامل، ومنه المسرح، لما يمتلكه هذا الفنان من تنوع ومعرفة في هذه الفن، وايضاً في الفن الاستعراضي الذي تخصص به، وأثر بالجمهور من خلاله. وأكد أن مفهوم المسرح الشامل مجموعة اشتغالات غير تقليديّة، تعتمد الحركة والمغايرة في سينوغرافيا العرض التي تحدد موضوعة العرض ومكانه أو زمانه.

أثبت (العزاوي) هويته العراقيّة عبر تبنيه النص العراقي، بعيداً عن قوة النص أو ضعفه، المهم أنّه يرتقي ويؤكد حضوره كـ «نص» عراقي، لذا فهو من المجددين الذين سعوا إلى إيجاد آفاق جديدة أمام المخرجين والمؤلفين والممثلين، وذلك عبر اكتشاف سبل وأدوات وإمكانيات جديدة في التجسيد الإبداعي والخلق الفني، حيث أصبح بإمكان المتلقي أن يشاهد العرض المسرحي في ظروف إنسانيّة تتوافق مع ظهور التيارات المجددة في المسرح عالميّاً. وفي إحدى دراساته أكد أستاذنا د. سامي عبد الحميد، على أن العديد من المخرجين العراقيين قدموا مسرحيات على شكل أوبريتات، ومنها ما قدمته (فرقة المسرح العسكري)، مسرحية بعنوان (جذور الحب) من تأليف إبراهيم البصري، وإخراج محسن العزاوي، ويمكن تصنيفها ضمن المسرح الموسيقي. ومن ثم تعد تلك الخطوة مهمة لشكل التحول في واقع المسرح العراقي خلال هذه الفترة؛ لذا اعتقد أن المسرحية الموسيقية المعاصرة تختلف في الموضوعات وفي الأسلوب، كما تختلف في الصياغات الفنية، مثل: الاستعراض وصالة الموسيقى والأوبرا، فهي تستخدم الرقص والجوقة بشكل متكرر، وكذلك الممثلون والسينوغرافيا الاستعراضيَّة. بعد كل ما قدم، يحق لنا أن نؤكد بأن هناك مجموعة من المفاهيم والمتغيرات التي ترسّخت في واقع المسرح العراقي، والتي اعتاد عليها الجمهور وطالب فيها بالتجديد، عبر ما قدمه هذا الجيل من ابتكارات وتجارب مهمة يمكن لها أن تدرس على مدى أزمنة مقبلة.