غرباء في بلاط صاحبة الجلالة

الصفحة الاخيرة 2023/06/01
...

أ‌. د. هاشم حسن التميمي

منذ مئات السنين حين ظهرت الصحافة المطبوعة في أوروبا وانتشرت في أرجاء المعمورة لتكون سلطة جديدة تضاف إلى السلطات الثلاث لقوة نفوذها وعظمة تأثيرها حتى أن بعضهم وصفها بالسلطة الأولى وصاحبة الجلالة.

 ومع تقدم القرون وانهيار عروش سلطوية واتصالية وظهور وسائل اتصال بديلة مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بدأ عرش صاحبة الجلالة يهتز ويتعرض لمؤامرة لاحتلال أروقتها وانتزاع تاجها من رؤوس أصحاب المهنة وسادتها إلى رؤوس المرتزقة؛ فقد انقلب الهرم المهني مثلما انقلب الهرم السياسي والاقتصادي والاجتماعي باسم التحول الديمقراطي الزائف، ودخلنا كما يقول المفكر الكندي أورنو، عصر التفاهة حيث يهمش العاقل والمفكر ويشغل موقعه الجاهل ويصبح الذنب مكان الرأس وتوضع العربة أمام  الحصان وليس خلفه، فلا تتقدم خطوة واحدة وستبقى تراوح  مكانها إلى ما يشاء ربي.

 وإزاء هذا المشهد التراجيدي المأساوي يقف المئات من الصحفيين الرواد مسلوبي الارادة، مكبلة أقلامهم ومكممة أفواههم وحتى إن نطقوا لا أحد يصغي إليهم من صناع القرار الذين شغلتهم بهرجة المنصب واستأنسوا لمن يطبل ويزمر لهم ويعظم إنجازاتهم الفيسبوكية وأصبح المثل الأعلى للصحفي عندهم أن يكون (المهوال) لقادة هذا الزمان ويتهم من ينتقد بجرأة لوجعه على وطنه وناسه بأنه من أذناب البعث أو خلايا "داعش" وقد يوصف بالطابور الخامس والعمالة لأميركا ودول التحالف أو الطامح للمناصب والحاسد لتضخيم ثروة أقرانه وعلى الرغم من ذلك ما زالت الأصوات الحرة تناضل لاستعادة شرف الصحافة وعودة ثقة الشعب بدورها ونظافة البلاط من المرتزقة الذين قادوا الانقلاب على رسالتها الوطنية وحولوها جارية لأصحاب النفوذ وليس رقيباً يرشدهم إلى المسار الصحيح ويفضح فسادهم وجهلهم وخيانتهم للوطن.

 رواد الصحافة يعيشون اليوم غرباء في بلاط جلالتهم وحياتهم تنهار وتهبط تحت خط الفقر، بعد أن أفنوا حياتهم حراس شرف في مهنة المتاعب وليس المكاسب.

نقرع الأجراس لإنصاف الصحافة وروادها ورموزها الحرة وتفعيل دورها الحقيقي في الرقابة وتنوير الرأي العام وأول الخطوات تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات صحفية حرة بعيدة عن التكتلات والمحاور واستبدال الحرس القديم بدماء مهنية جديدة مستقلة وجادة تحمل رسالة وقضية وتمتلك شجاعة التغيير والتعبير والتحديث وتطهر أروقة صاحبة الجلالة من الآلاف الذين تسللوا إلى واجهاتها وهم لا يمتلكون خبراتها ولا يعترفون بأخلاقياتها ويحملون ظلماً ألقابها ويستحوذون بطرق ملتوية على امتيازاتها، آن الأوان أن نعيد الهرم الصحفي إلى وضعه الطبيعي فتصحيح  مسار الصحافة والإعلام يمنح المجتمع والرأي العام قوة فعالة ومؤثرة قادرة على هز عروش الفساد.