أصل باروكات الطبقة الحاكمة في فرنسا وبريطانيا

بانوراما 2023/06/01
...

 روزماري جايلز

 ترجمة: شيماء ميران

يبدو أن معظم طواقم التمثيل في الأعمال الدرامية الضخمة يرتدون باروكات (شعر مستعار) معطرة بالبودرة، وهذا له سبب. من الناحية التاريخية، كانت تلك الباروكات شائعة للغاية، إذ ارتداها المؤسسون الأوائل، والعائلة المالكة الفرنسية والضباط الإنكليز، لكن ما السبب وراء ذلك؟ لقد اتضّح أن الباروكات اصبحت عنصرا أساسيا في الكثير من خزانات الملابس، ويعود ذلك إلى سبب طبي محدد.

الباروكة المعطرة

ما لم تحتوه تلك الدراما عن تلك الفترة هو الحقيقة البعيدة تماما عن الاناقة بشكل كبير، فبحلول القرن السادس عشر، كانت العديد من الدول الاوروبية تكافح بضراوة جائحة مرض الزهري، الذي كان واقعا الوباء الأسوأ منذ اجتياح الطاعون للقارة 

العجوز.

وبعد انتشار المرض في جميع انحاء المدن، ومع عدم وجود مضادات حيوية أو علاجات أخرى للحالة، لم يتم التمكن إلا سوى السيطرة على اعراض المرض فقط، ومنها الإصابة بالصلع. كانت الباروكات موجودة بكل تأكيد قبل انتشار الوباء، لكن هذه المشكلة الكبيرة 

استلزمت إيجاد حلول حديثة.

كان الحل هو الباروكة المعطّرة بالبودرة، والتي تُصنع من شعر الإنسان أو الخيول أو الماعز، ثم تُعطّر بالبودرة. لم تساعد على تغطية الصلع الناتج عن الاصابة بمرض الزهري فقط، بل كانت تُخفي رائحة القروح المفتوحة في الرأس، كما أن البودرة المعطّرة تغطي على رائحة الباروكات، خصوصا بعد ارتدائها لفترات

طويلة.


ظاهرة شائعة

وبينما كانت تمثل الحل حينها، لكن الباروكة المعطرو لم تكن عنصرا اساسيا في موضة ازياء الطبقة العليا لأكثر من قرن من الزمان. وفي أثناء ذلك، بدأ كل من لويس الرابع عشر ملك فرنسا وتشارلز الثاني ملك بريطانيا يفقدون شعر رأسيهما، مع تغيّر لونه إلى الشيب. ويعتقد المؤرخون أنهما كانا يعانيان من أعراض مرض الزهري ذاتها التي أصابت كثيرين 

قبلهما.

عاش الملوك في مجتمع كان الصلع أمرا مخزيا للغاية، لذلك سارعوا الى إيجاد حل بسرعة لحفظ صورتهم أمام المجتمع، وطلبوا شعرا مستعارا متقنا لإخفاء الأمر المعيب. بعد ذلك، وبعد أن ارتدى الملوك الباروكة المعطرة بالبودرة، إنتقل الأمر سريعا وقلده حاشيتهم والنبلاء الآخرون؛ ثم بدأت الطبقة الوسطى من المجتمع بتقليد هذه الموضة الملكية، وأصبحت الباروكة جزءاً اساسيا من أزياء القرن الثامن عشر. 

حتى عندما مات الملكان، لويس الرابع عشر ملك فرنسا وتشارلز الثاني ملك بريطانيا، لم تختفِ الباروكة المعطرة بالبودرة. 

وبينما أصبحت وسيلة وظفها الأثرياء للتباهي والتفاخر بثرواتهم، إلا أنها كانت تمثّل أيضا قطعة اضافية عملية. لم يكن الأمر مقتصرا على إخفاء الإصابة بمرض الزهري، بل عمل على منع كذلك من الإصابة بالقمل. ولكي يتمكّن الرجال من ارتداء الباروكة المعطّرة، كان عليهم أن يحلقوا شعرهم؛ وحتى إن تمكّنت الحشرات من أن تعلق بشعر باروكة شخص ما، فكل ما عليه فعله هو غليها 

فقط.

كبقية صيحات موضة الأزياء، تخلّى الناس في نهاية المطاف عن ارتداء الباروكة المعطرة بالبودرة، حيث توقف الفرنسيون عنها خلال مرحلة الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، لأنها كانت رمزا للنظام الملكي. من ناحية أخرى، تخلى البريطانيون عن ارتدائها بنفس الفترة تقريبا، لأن المسحوق المستخدم على الشعر المستعار أصبح خاضعا لضرائب باهظة.

وعلى الرغم من اختفاء الشعر المستعار المعطّر بالبودرة، إلا أنها لا تزال تُلبس في بعض الأماكن، فخلال القرن الثامن عشر، أصبحت جزءًا من الزي الرسمي للعديد من المهن، إذ لا يزال المحامون في بريطانيا يداومون على ارتدائها.


عن موقع ذا فينتج نيوز