مندوب مبيعات

اسرة ومجتمع 2023/06/03
...

غيداء البياتي
في عيادة طبيب الأسنان كان الانتظار طويلا للدخول من أجل الفحص أو العلاج، بسبب كثرة المراجعين لذلك الدكتور، الذي وعلى ما يبدو «ايده خفيفة»  وشاطر في عمله بحسب الموجودين، فبالنسبة لي كنت أرى أن الدخول إلى قبة البرلمان أسهل من الدخول لمقابلة طبيب الاسنان في ذلك اليوم، لكن لم تكن باليد حيلة، سوى التحلي بالصبر والكثير من طول البال، لأنال شرف اللقاء بحضرة الدكتور المحترم وتلقي العلاج اللازم، فوضت أمري الى الرب وجلست بغرفة الانتظار؛ فإذا بشاب وسيم يتميز بمظهر أنيق يحمل حقيبتين إحداهما صغيرة، والأخرى متوسطة الحجم، صوب نظراته من وراء نظاراته الطبية، بصمت قاتل إلى وجهي البريء، وجلس الى جانبي، حيث لم يكن هنالك مقعدٌ خالٍ سوى ذلك الذي بجانبي، ومن غير مقدمات و«بميانة» تسمح له مهنته قال لي «هل تعرفين شيئا عن مواد التجميل الاميركية» قالها بصوت عالٍ كي ينتبه اليه الآخرون، ولم ينتظر ردي، بل أكمل كلامه وأخرج علبا متنوعة من الحقيبة المتوسطة الحجم، وأخذ يشرح ما كتب عليها من مواد تعيد نضارة البشرة، وحيوية الاسنان وطريقة الاستعمال لكل واحدة باللغة الانكليزية، وأنا «مثل الأطرش بالزفة»، وفجأة أخذ يشرح بالتفصيل الممل، مترجما الى العربية ما تحتويه تلك المواد التجميلية من فوائد للبشرة والشعر، وجرى الحديث عنها فقادني بتواضعه الجم إلى عالم التجميل والجمال، فسألته هل أنت طبيب تجميل؟ ابتسم قائلا:» لا أنا مندوب مبيعات متجول، لكني حاصلٌ على الماستر من جامعة بغداد/ لغة انكليزية»، بصراحة أصبت بخيبة كبيرة لأني رأيت نظرات المراجعين له مثيرة للشفقة، وفي سري تمنيت أن أكون صاحبة قرار، لأصدر أمرا بتعيين ذلك الشاب ومن مثله، الذين يضطرون كل يوم أن يرتدوا قناع الصبر والابتسامة المصنعة، فهي أدوات العمل التي من خلالها يكسبون قوتهم اليومي.

 لا أعرف لماذا علق هذا الشاب بذاكرتي، ربما أناقته وجماله أو ثقافته، وصبره جعله ماثلا في الذاكرة، على الرغم من كثرة مندوبي المبيعات من الشباب والشابات، الذين أصادفهم في عيادة الطبيب أو مراكز التجميل أو ورش الميكانيك والنجارة والحدادة، ولم استغرب من دخول أحدهم إلى موقع جريدتنا الغراء، وهو يبتسم ويجامل ويعيد سرد الشرح الطويل، الذي حفظه عن ظهر قلب على مواصفات بضاعته ومميزاتها وطرق استخدامها، سعيا منه للرزق.