سياسة السلاح في أميركا متّهمة بالقتل الجماعي

بانوراما 2023/06/03
...

  ستيفن كولينسون
  ترجمة: بهاء سلمان
في هذه المرحلة، ليس من المستغرب أن يكون هناك إطلاق نار جماعي آخر في الولايات المتحدة الأميركية. ووقعت المأساة الأخيرة في مدينة ألين بولاية تكساس يوم السادس من آيار الماضي، عندما فتح مسلح النار على متسوقين في أحد منافذ التسوق. لقد كان هجوما مروعا آخر على أناس يمارسون حياتهم بكل بساطة، سواء في المتاجر أو المصارف أو الحفلات أو المدارس أو أماكن العبادة، أو حتى في منازلهم.
بعد كل إطلاق نار، تتشابه الطقوس السياسية، فالجمهوريون الذين سخّروا حزبهم للنشطاء الراغبين في تخفيف قوانين حمل السلاح، يصلون من أجل الضحايا ويتحدّثون بشكل غامض عن أزمة صحية عقلية، بينما  يطالب الديمقراطيون بمزيد من السيطرة على الأسلحة وحظر الأسلحة الهجومية السريعة التي يمكن أن تقتل عدة أشخاص في ثوان.
لكن لا شيء يتغيّر أبدا. هل هناك أية طريقة للخروج من دائرة الموت اللانهائية هذه؟ أم أن النظام السياسي ببساطة أصبح في طريق مسدود للغاية، على الرغم من أن غالبية الأمريكيين في معظم استطلاعات الرأي يفضلون نوعا من الإصلاح لقوانين السلاح. وتم توجيه أسئلة لثلاثة خبراء من وحدة “السلاح في أميركا” التابعة لـقناة “سي أن أن الأميركية” عن تداعيات أحداث الرعب الأخيرة وحالة سياسات الأسلحة في البلاد.

كيف تقارن الولايات؟
وبسؤال “جينيفر ماسيا” كاتبة الأخبار المتخصصة في متابعة وتغطية وباء العنف المسلح في أمريكا، عن ما يراه بعض المسؤولين في ولاية تكساس، المؤيّدة لحيازة السلاح، من أن إطلاق النار الجماعي يحدث أيضا في ولايات ليبرالية ذات قوانين أكثر تشددا، فلن ينفع فرض المزيد من التقييدات، ليأتي الرد بأن تلك الأعمال تحصل في الولايات ذات القوانين المتشددة، كما حصل في كاليفورينا بوقت سابق من هذا العام، لكن الولايات التي قوانينها مخففة لحيازة الأسلحة لا تزال تميل إلى ارتفاع معدلات الوفيات جراء استخدام الأسلحة النارية.
ووفقا لأحدث أرقام مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن الولايات التي لديها أقل معدلات الوفيات بسبب إطلاق النار، والتي تشمل جرائم القتل والانتحار، هي ماساتشوستس وهاواي ونيوجيرسي ونيويورك ورود آيلاند، وتأتي كاليفورنيا بالمرتبة الثامنة. تفرض جميع هذه الولايات وجود تراخيص لمالك السلاح، مما يعني أنه يجب عليك الحصول على ترخيص أو تصريح قبل أن تتمكن حتى من شراء السلاح. تتضمّن هذه العملية عادةً تدقيقا شاملاً لخلفية الشخص صاحب الطلب، ومقابلات مع جهات فرض القانون، ومراجعة الشخصيات المقصودة، والتدريب الإلزامي على الأسلحة النارية، وبصمات الأصابع. يعد ترخيص مالك السلاح، الذي يشار إليه أيضًا باسم تصريح الشراء، أكثر السياسات فعالية في الحد من وفيات الأسلحة.
وبسؤالها عن الولايات التي سجلت أكبر عدد من الوفيات من جراء الأسلحة النارية، أجابت ماسيا بأن الولايات التي سجلت أعلى معدلات الموت بالسلاح هي ميسيسيبي ولويزيانا ونيو مكسيكو وألاباما ووايومنغ، بينما حلت تكساس بالمرتبة 28. وباستثناء ولاية نيو مكسيكو، أصدرت جميع تلك الولايات، بما في ذلك تكساس، قانونا لحمل السلاح من دون تصريح، مما يعني أن مالكي الأسلحة غير مطالبين بالحصول على ترخيص أو الخضوع للتدريب من أجل حمل مسدس مخفي في الأماكن العامة. هناك 27 ولاية حاليا توافق على حمل السلاح من دون تصريح، وقد أظهرت الدراسات أن عنف السلاح يرتفع بعد أن تخفف الولايات متطلبات الحمل المخفية.

قانون متهاون
وتستطرد مارسيا قائلة بأن دراسة أجريت العام الماضي من كلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة وجدت أن متوسط معدل الاعتداءات بالأسلحة النارية قد ارتفع بنسبة عشرة بالمئة تقريبا خلال العقد الأول الذي تلا تخفيف 34 ولاية قيودها المخفية على حمل السلاح. وتقدّم ميسوري دراسة حالة مثيرة للاهتمام: حتى العام 2007، طلبت الولاية تصاريح لشراء الأسلحة، مثلما هو الحال مع ماساتشوستس وكاليفورنيا وعشرات الولايات الأخرى، لتجد إحدى الدراسات أنه في السنوات الخمس التي أعقبت إلغاء تصريح الشراء، إرتفع معدل القتل بنسبة 14 بالمئة. كما زادت ولاية ميسوري الطين بلة من خلال تخفيف قوانينها الخاصة بالأسلحة، لتوافق على حمل السلاح من دون تصريح في العام 2017. وبحلول العام 2019، وجدت صحيفة “كنساس سيتي ستار” ارتفاعا بمعدل وفيات الأسلحة النارية في ميسوري بنسبة 58 بالمئة منذ العام 2007، عندما ألغت الولاية تصاريح الشراء.
وطرح سؤال على الخبيرة ماسيا، وهو: كيف يمكننا مقارنة الولايات المتحدة ببقية العالم في ما يتعلق بالسلاح، لتقول أنه فيما يتعلق بعنف السلاح، فأنت أكثر أمانا في كاليفورنيا مما أنت عليه في تكساس؛ لكنك لا تزال أكثر أمانا في بلدان أخرى مما أنت عليه في كاليفورنيا. هذا لأنه، على حد قول أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس “آدم وينكلر”: “تمتلك كاليفورنيا أكثر قوانين الأسلحة صرامة في الولايات المتحدة، ولكنها بنفس الوقت تعد قوانين الأسلحة الأكثر تساهلاً وتسامحاً في العالم الصناعي.” هذا ما يفسر سبب استمرار إطلاق النار الجماعي في كاليفورنيا، فلا تزال أقوى قوانين الأسلحة لدينا غير مطابقة لتلك الموجودة في كندا أو المملكة المتحدة أو اليابان أو سويسرا أو غيرها من الدول، من بين دول أخرى. هذه البلدان حريصة جدا في منح من يسمح لهم حيازة الأسلحة، حيث تستمر عملية الغربلة لعدة أشهر. النظام الوحيد الذي يمكن مقارنته هو عملية ترخيص الأسلحة في مدينة نيويورك، والتي تشرف عليها إدارة شرطة نيويورك.

كيف تتعامل تكساس المتسامحة بقوانين السلاح مع الهجوم الأخير؟
تمت مقابلة “أبيني كلايتون”، مسؤول المراسلين لفريق “سلاح وأكاذيب في أميركا” التابع لصحيفة الغارديان البريطانية، وتم سؤاله من أن المسؤولين في تكساس بدوا كارهين جدا في تقديم حيثيات لتفاصيل محددة تخص إطلاق النار الجماعي في مركز التسوّق بمدينة ألين، فما هو السبب؟ يعتقد كلايتون أن تكساس، ومعظم المسؤولين الذين يدافعون عن حقوق السلاح الصارمة وحماة التعديل الثاني، يبذلون ما بوسعهم للفصل بين الأسلحة والعنف الذي شهدناه مؤخرا وما زلنا نشهده يوميًا. ويشير إلى أنه بالإضافة إلى الرغبة في إبقاء قاعدة ناخبيهم تشعر بالسرور، فإن العديد من المسؤولين يخشون حقيقة المقاومة المسلحة من المتطرّفين الذين يمتلكون أسلحة ومستعدون للموت أو خلق الفوضى إذا كان هناك مجرّد تلميح إلى فرض قيود على ملكية الأسلحة والاحتفاظ بها.
ويعتقد المراسل المتمرّس أيضا أن عدم الاعتراف بالقضايا الأوسع للعنف باستخدام الأسلحة النارية يراد به ديمومة الرواية القائلة بأن عمليات إطلاق النار الجماعية هي نتيجة حرب روحية أو شر فطري. وبشكل يلائم المسؤولين، لا يمكن تشريع أي قانون يتعامل مع هذين العاملين، وبذلك يمنح لهم الفرصة للإشارة إلى سبب لإطلاق النار، لكن بدون تحمّلهم للمسؤولية عن دعم وإيجاد حلول من شأنها أن تحافظ على سلامة الناس.
ووجه لكلايتون سؤال آخر: إذا لم يتخذ مسؤولو الولاية المحليون تدابير لوقف تلك المذابح، أو على أقل تقدير محاولة فعل ذلك، فما هي التزاماتهم على سبيل المثال في القيام بشيء هادف لمعالجة مشكلات الصحة العقلية التي يشيرون إليها دائما، أو للمساعدة على التخفيف من أثر الصدمة  على الضحايا؟
يقول كلايتون أن هناك برامج فيدرالية وبعض برامج مساعدة الضحايا على مستوى الولاية موجهة بشكل خاص إلى الأشخاص الذين يمارسون العنف الجماعي والإرهاب. ويعتقد أنه من الضروروي على مسؤولي الولاية دعم وتمكين ورفع مستوى الناجين من عمليات إطلاق النار الجماعية، على الرغم من أن بعضهم أصبح ناشطا سياسيا حول قضايا، مثل قوانين منع السلاح على الأشخاص الذين يشكلون خطرا على الآخرين وحظر الأسلحة الهجومية، التي قد لا تكون مقبولة لقواعد المشرعين ذوي الميول اليمينية.

الشعور بأثر المآساة
ويشير كلايتون إلى حاجة السياسيين، من أمثال حاكم ولاية تكساس “غريغ أبوت”، والسيناتور عن تكساس “تيد كروز”، وكلاهما من الحزب الجمهوري، وجميع المسؤولين المحليين ومسؤولي الولاية الذين يرفضون تقديم حجج حسنة النية حول حلول منع العنف باستخدام الأسلحة النارية، عدا تشديد إجراءات الشرطة وعملية دخول المدارس، يحتاجون إلى إظهار رعاية حقيقية للأشخاص الذين فقدوا أحباءهم، وإلى من أصيب بجروح لا يمكن تحقق الشفاء فيها بعد إطلاق النار.

ماذا سيحدث بعد ذلك: هل سيتغير
أي شيء؟
أسس “ستيفن جوتوفسكي” “The Reload” (إعادة التحميل)، وهو منشور مشترك تم إعداده لتقديم تقارير رصينة ومستنيرة حول ملكية الأسلحة في الولايات المتحدة. سؤال إن كان هناك أي احتمال أن تؤدي السياسات المتصدّعة في الولايات المتحدة إلى أي شيء لوقف دورة إطلاق النار هذه، فأجاب بوجود إتفاق واسع للآراء على وجوب بذل المزيد من الجهود لمنع إطلاق النار الجماعي، وتكمن المشكلة في ضعف التوافق بين الحزبين الرئيسين حول كيفية القيام بذلك، فالديمقراطيون يفضلون عموما فرض قيود وحظر على الأسلحة، بينما يفضل الجمهوريون عموما تطبيقا أكثر صرامة لقوانين الأسلحة الحالية والتدخّل في مجال الصحة العقلية. ومن المحتمل أن يكون هناك بعض التقاطع في أي من النقطتين بين الناخبين، غير أنه قليل بين ممثليهم المنتخبين.
ويؤكد جوتوفسكي أنه إذا استمرّت عمليات القتل العالية المستوى هذه في الزيادة، وهي تحصل بوتيرة قياسية هذا العام بغض النظر عن العدد الذي نراه، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الضغط لفرض قيود جديدة على الأسلحة، وهو ما قاد إلى سن قانون مراقبة السلاح الفيدرالي خلال العام الماضي. غير إنه ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأنه يمكن أن يؤدي إلى حظر أميركي عام جديد على الرشاشات الاوتوماتيكية أو غيرها من الأسلحة النارية، لأنه لا يوجد دعم لذلك بين الجمهوريين في الكونغرس، ومن غير المرجح أن يكون هناك حتى 50 صوتا في مجلس الشيوخ لأن بعض الديمقراطيين أيضا يعارضون حظر السلاح.

توجهات مختلفة
ما هو المطلوب لمراقبة تشريعات سياسة الأسلحة؟ كان هذا السؤال هو الأخير ضمن هذا التحليل، وقد رد عليه جوتوفسكي بالقول أن السياسة على مستوى الولايات تواصل سيرها لكي تكون مستقطبة بشكل متزايد بناء على السياسات السائدة ضمن كل ولاية على حدة. وتركّز الولايات الحمراء على التقليل من الهجمات من خلال تسهيل حصول المواطنين الملتزمين بالقانون على الأسلحة وحملها، أما الولايات الزرقاء، فقد تحوّلت بشكل متزايد إلى حظر “الأسلحة الهجومية” وتقليل سعة مخازن الإطلاقات التي تحتوي على كمية معينة من الذخيرة. أما قوانين “العلم الأحمر” التي تسمح للمسؤولين بمصادرة الأسلحة بشكل مؤقت من الأشخاص الذين يقرر القاضي أنهم يشكلون تهديدا لأنفسهم أو للآخرين، فقد تم تمييزها في الغالب ضمن معاقل الديمقراطيين المنافسين للجمهوريين.
لكن حاكم ولاية تينيسي “بيل لي”، وهو من الحزب الجمهوري الأميركي، يحاول معالجة بعض هذه المخاوف من خلال اقتراح جديد من المقرر أن يناقشه المجلس التشريعي الذي يسيطر عليه الجمهوريون عبر جلسة خاصة، فإذا تمكّنوا من صياغة سياسة تعالج مخاوف المدافعين عن حقوق السلاح، فقد يخلق ذلك زخما للسياسة لدى دول أخرى. هذا يجعل مناقشة سياسة السلاح هذه هي الأجدر بالملاحظة خلال الوقت الحالي.

وكالة سي ان ان الاخبارية الاميركية