لعنة (البوبجي)

الباب المفتوح 2019/04/23
...

نجم الشيخ داغر
استيقظت الام في ساعة متأخرة من الليل بعد ان أحست بعطش شديد دفعها للتوجه نحو الثلاجة لشرب كأس من الماء البارد، وما ان همت بشرب الماء حتى وصل الى سمعها صوت ولدها وهو ينادي بصوت مرتفع (هسة اجيب السلاح واجيك) فركضت نحوه وهي توشك ان تقع على وجهها في محاولة لمنعه من الخروج خوفا عليه من القتل، بيد ان المفاجأة التي اصابتها بالذهول، رؤيتها لولدها وهو مستلقٍ على الفراش مسمرا نظره على جهازه المحمول وكأنه غائب عن الدنيا، وحين صرخت به مستفسرة عن نيته للخروج بالسلاح، قال لها بكل برود وهو يضحك منها، (ماما اي سلاح، اني العب بوبجي)!، فلم يكن منها إلا ان صفعته صفعة أطارت الجهاز من يده واعادته الى رشده. 
أنا متأكد ان هذه القصة الحقيقية مر بها العديد من العائلات بسبب هذه اللعبة المجنونة والملعونة، هذه اللعبة التي انتشرت مثل النار في الهشيم بين مختلف شرائح المجتمع، وخاصة فئة الشباب والمراهقين من كلا 
الجنسين.
وان حاولنا ان نستكشف سر هذا التطرف في التعلق بهذه اللعبة، نجد ان علماء النفس والاجتماع يعزون الاسباب الى انها ربما توفر مناخا للكثير من الشباب لتفريغ طاقة العنف المكبوتة لديهم، إذ يعيشون من خلالها في عالم افتراضي يمارس فيه العنف بشتى صوره بدم بارد وكأنه يحاول الانتقام من فشله او من يعتقد انه يقف خلف معاناته عبر عالم خيالي.
المشكلة ان هذا الامر يتضمن الكثير من المخاطر، فالجلوس لساعات طويلة واللعب بها ينتج عنه تماهٍ كلي بشخصية بطل اللعبة العنيف الذي يقتل ويدمر الأعداء كي يصل إلى هدف، إضافة إلى أن الطفل يصبح منعزلا اجتماعيا يتفاعل مع آلة ويعيش في عالم خيالي. 
الذي اثار تساؤلي بحق، هو لماذا نعشق التطرف بكل شيء حتى في ممارسة لعبة الكترونية ؟، فهل هو طبع فينا ؟، اذ ليس من المعقول ان تتحول لعبة الى اشبه بطقوس يومية، فأين ما توجهت ترى عبارات (البوبجي) مكتوبة حولك، وباتت مصطلحاتها مرادفات لكلمات متداولة كثيرة، واللافت للنظر ان لاعبيها هم أنفسهم على الاغلب من تراهم متصدرين لكل المظاهر التي تغزو المجتمع، بما فيها 
الدينية.
من هنا وبغض النظر عن الاداء غير الجيد لاعضاء البرلمان، إلا انني مع قرارهم بحظر لعبة البوبجي واعدها خطوة ابوية، كون اللعبة باتت تشكل خطرا حقيقيا على شريحة كبيرة ومهمة من الشباب والمراهقين بل حتى الاطفال، اذ تركوا كل شيء وانغمسوا حد الثمالة والجنون فيها واثرت بشكل حقيقي في مستوياتهم الدراسية وزادت من مدى التفكك الاسري الذي نعاني منه اصلا بسبب شبكات التواصل الاجتماعي والانشغال 
فيها.
اعتقد ان حظر اللعبة المذكورة خطوة صحيحة حتى لو اعترض الكثير على ذلك لأن الاب احيانا يرغم اولاده على فعل ما يراه حقا ولا يرونه هم نتيجة طيشهم او عدم نضجهم العقلي.