ضياء العزاوي.. المعرفة المتعلقة بالجمال

ثقافة 2023/06/05
...

 خضير الزيدي


اقيم بعمان في الثالث عشر من مايو لهذا العام المعرض الشخصي الخاص بأعمال السيراميك للفنان ضياء العزاوي وسط احتفاء من متذوقي فن هذا المبدع الستيني الذي برز اسمه منذ سنوات بعد أن انجز للمتلقي الكثير من الرسومات ودفاتر الرسم والأعمال النحتية التي كانت تجاري واقعاً ملموساً ضمن تصورات بنائية وجمالية من حيث الصياغة التي تستميل إلى نوع من المخيلة والذاكرة المتعطشة لرؤية الجمال وتأمل ظواهر الابداع الإنساني، ومنذ أن قبضت أصابعه على قماشة اللوحة وبياضها المتدفق والذي حدد لها مساراً من وجود سمات اسلوبية تعزّز من اسمه منذ ذلك الزمن إلى يومنا هذا. والعزاوي يقدم تجارب اسلوبية في العديد من الخامات ليخرج السيراميك ضمن معرضه الأخير في شبكة متماسكة من الاشكال غاية في الادراك الجمالي والعلاقات المنسجمة سواء في بنائها أو طبيعة ألوانها البراقة أو الاحادية ليس من باب المغامرة مع خامات وطرائق فيها صعوبة كأعمال السيراميك، وإنما ليجدد للمتلقي وضوح فكرته في العمل الفني. 

ويؤكد منهجه الفني الذي لم يبتعد عن ابداء طريقة اكتسبت من الخبرة والمخيلة التي تدربت على بث الجمال في كل مفاصل ما هو عضوي في الاشكال ونسق العلاقات بين شكل متحد واخر متصور لهذا جاء عنوان هذا المعرض تحت اسم (تخيلات متحققة). ومع هذا لا نجد غرابة أن يوجه المتلقي ومحبو أعمال هذا الفنان تساؤلا امام انفسهم ما الجديد الذي قدمه ضياء العزاوي في معرضه الاخير بعد أن رسخ له مشروعا باتت اواصر لوحاته المتنوعة أكثر وضوحا امام المتلقي؟ 

من يعرف ضياء العزاوي عن كثب سيجده ملتزما بنوع من الاحتفاء بخيالاته الشخصية، ومؤكدا على رؤيته الفنية بإنتاج تراكيب غائرة في الصياغات الدلالية، وهذا ما جعل طريقته في الفن أكثر استقلالا من غيرها لأسباب تتعلق باستعداده للارتقاء بالفن ضمن فكرة صارخة ومعلنة عن بواعثها، فلا نجد متاهات بنائية ولا وثائق غير واضحة المعالم. وهناك السمة الشعورية والاحتفاء بطابع التعاظم الداخلي لكل عناصر وحداته وتكويناته التي يقدمها أمامنا، ولهذا سنجد في فن السيراميك براعة اشتغال مختلفة عن الرسم، وعن أعمال نحتية كانت تجاري موضوعاً معيناً. وهنا يظهر العزاوي اندفاعه بعيدا عن تعقيدات دلالية انما ترك لفنه أن يتداخل بين الموضوعي والتأملي في مظاهر شكلية غنية تبرر لحياة اشكاله أن يتضاعف فيها الجمال بديلا لمبررات تتجافى مع الخيال ولعل هذا التلاعب في مطاردة الاشكال (التجريدية والتعبيرية) إنما هو استكمال لمشروع ثقافي وضعه ضياء تحت طائل ذاكرته ووعيه ومخيلته والقصد منه ليس التذكير انما تعزيزا لجعل خطاب الفن بكل اشتغالاته ومواده المختلفة ان يغذ السير باتجاه مبدأ الالتزام بالأصول التي تؤدي في النهاية لعقد التصالح بين الإنسان والحياة وواقعه اليومي ويضاعف من مسؤوليتنا امام غاية الوجود. ولكننا في النهاية لابد أن نعرف إلى أين تأخذنا تلك التكوينات من السيراميك وطريقة التوازن في بنائها، هل هي تأكيد لمهارة وقابلية فنية معينة أم هي محاولات استكشاف تطيح بتطويع المادة الخام بين يدي هذا الفنان ليخبرنا في نهاية المطاف أن تجليات الشكل تحتاج إلى قرائن تخضع لمراقبة داخلية وعلى المتلقي أن يفهم مغزى ذلك الانشاء المليء بغريزة الشعور وتعاظم العلاقات اللونية التي يصر عليها ضياء في كل معرض جديد. ما يهمنا المعيارية الراسخة في فنه وهالة الاعجاز في البناء وتنظيم الاشكال سواء جاءت بصيغة هندسية خالصة من حيث القياسات أو في تكوينها التجريدي الذي خطط له بعناية تامة نعم تهمنا المعيارية مثلما تهمنا هويتها وصرامة نزعتها الشكلية فأعماله ليست بحاجة الى تجميل انما حاجتها أن تجد تجانسا يجلب للمتلقي النظارة والاندفاع نحو معرفة مهارة التراكيب ومستوياتها الجمالية، وهي رسالة ينبغي الوقوف عليها لما تبديه من مهابة في الاشتغال والاصرار على وحدة موضوعية لها تمثلات رمزية مثلما لها حساسية وشعور يتنامى في طبيعة التلقي لمنجز هذا المعرض الذي انجز فيه العزاوي لمتذوقي فنه خمسةً وعشرين عملاً صيغت كجداريات نحتية من التراكوتا، وهي اقرب ما تكون لمنجز اسلافه حيث الجداريات الأشورية على جدران الحضر ونينوى. ويبدو على  الاشتغال أنها انجزت في أفران سيراميك خاصة تتراوح درجة حرارتها بين 850 – 1050 مئوية. لتكشف عن نتائج لونية مبهرة علاوة على خطاب تعبيري وفكرة مليئة بالطاقة وبعيدة عن مظاهر 

الانفعال.