الشباب وغيابهم عن صالات السينما

ولد وبنت 2023/06/05
...

  بغداد:  وائل الملوك



بالرغم من وجود صالات سينمائية في المولات التي تعج بالشباب أكثر من الأسر، لكن تبقى هنالك رغبة لدى فئة قليلة منهم في حضور ومشاهدة الأفلام المحلية (على قلتها) وكذلك الأفلام العالمية، وهنا يكمن السؤال، ماهو الفرق بين فئتي الشباب مع أنهما تتواجدان في المكان نفسه ؟ لا سيما أن العديد من الدراسات أكدت أهمية ما تطرحه أغلب الأفلام الهادفة في معالجة البنى الفكرية لدى الشباب والمجتمع عموماً.

د. محمد عمر أيوب، مدير سينما ومسرح العراق الشبابي، خلال حديثه لـ "الصباح"، قال: إن صالات السينما لم تستطع سحب الشباب إلى الفكر التنموي والتجدد بالأفكار لغياب البرامج التي تزيد من ثقة بناء الذات، إضافة إلى أن الأفلام المقدمة لا تخدم مرحلة التغير بالعراق، وجميعها تزيد من احتدام العنف أو تؤدي إلى زيادة سلطة الغريزة، وهي بمجملها لا تعمل على تنمية الوعي الجمعي، فكل ما فعلته هو تجميع غير مبرر بدون فواصل ترفيهية، والدليل أن الجمهور يخرج لا يتغير، بل يزداد تقليداً لسلوكيات وافدة لمجتمعنا غريبة الأطوار. 

بينما كشف حسنين الهاني مدير مهرجان النهج السينمائي، عن أنه في  فترات منتصف الستينيات والسبعينيات عندما كان العراق بلد يضج بصالات السينما، بمختلف درجاتها السياحية والفنية كان الناس يحرصون على ارتيادها بشكل منتظم، حتى من يسكن المحافظات التي لم تكن تمتلك صالة سينما وعلى مسافة قريبة من بغداد غالباً ما يتواجد نهاية كل أسبوع فيها من أجل مشاهدة فيلم جديد، مضيفاً:"أتذكر في الثمانينيات عندما كنت في المراحل التعليمية" الابتدائية، والمتوسطة، والإعدادية، على مدار هذه الأعوام الدراسية، كانت مديريات التربية تجمع التلاميذ وتعرض لهم في قاعة المدرسة الكبرى فيلماً قصيراً سواء كان وثائقياً أو علمياً، وكنا نندهش بحجم الصورة على الجدار ويأخذنا سحرها بالرغم من بساطة التقنيات السينمائية آنذاك، لكن بسبب سياسة النظام المباد والحصار الذي فرض، غيبت تدريجياً جميع المحاور الثقافية والفنية، ومابعد 2003 لم نجد رؤية حقيقية لدى قادة البلد الجدد في إعادة تلك المحاور، التي تسهم في تطور وبناء جيل من الشباب وتعمل على تنمية أفكارهم. 

مشيراً إلى أن السينما بالوقت الحالي تسعى لتكسر قيودها بمحاولات فردية من المختصين الشباب، لكن بغياب واضح للدولة التي ينبغي أن تكون الداعم الأكبر لهذا المجال، كونه أحد أهم أعمدة الثقافة بالبلد أسوة بالمسرح والفنون الأخرى، فنحن بحاجة إلى صناعة وتربية جيل يعرف ماهية السينما ودورها في مخاطبة أفكاره وخلجاته، وهي إحدى وسائل التعبير عن مكنون الإنسان وما يحمل في ذهنه من توجهات وآمال وأحلام، خصوصاً أن العراق أرض خصبة لمئات بل آلاف القصص السينمائية، كونه خرج من حقب متتالية محملة بالآلام والفقدان، وكلنا نعلم أن الإبداع يولد من رحم المعاناة وهو خير من يوثق تاريخ الإنسان وعثراته التي مر بها بسبب تلك الحروب والأوجاع.

دعا  الهاني الجهات الرسمية المختصة بالثقافة والتعليم، أن تلتفت لتحريك عجلة السينما وتأخذ على عاتقها تخصيص الأموال والطاقات والجهود في سبيل صناعة الإنسان العراقي من جديد، مثلما تخصص الأموال للصحة والجيش والشرطة وغيرها من القطاعات الضرورية بالمجتمع، فهي جزء لا يتجزأ من عملية سير الحياة بمختلف مفرداتها المعيشية حتى يسترد العراق عافيته، والشباب يعملون على تثقيف أنفسهم من خلال السينما والمحاور الثقافية والفنية الأخرى، بدلاً من تمسكهم بالألعاب والإدمان على الموبايلات وتواجدهم غير المبرر بالمولات والمتنزهات في أوقات الفراغ.

المخرج والناقد السينمائي نزار الفدعم، بين أن صالات العرض الموجودة في بغداد وبعض المحافظات دون الطموح وقليلة وتأثيرها لا يكاد يذكر إزاء شعب تعداده تجاوز الثلاثين مليوناً، فعلى الأقل نحن نحتاج إلى 400 دار عرض متوفرة في كل ناحية وقضاء ومدينة، لذلك يبقى تأثير دور العرض ضئيلاً ومحدوداً ولا أظن بهذا الوضع الحالي تستطيع أن تجذب الشباب وتنافس الموبايل لأنه يقدم كل ماهو جديد ومتطور وبدون تكلفة، ولا يعني أن كل جديد وجذاب ومتطور يحمل معه رياح الحضارة والثقافة والفن، 

بل يقدم الموبايل كل ماهو سائد من فنون وثقافة في زمن تحكمه السطحية.

في حين أشارالمخرج باقر الربيعي إلى أن صالات السينما في بغداد والمحافظات أسهمت بنسبة ضئيلة جداً باستقطاب الشباب، والسبب أولاً المنصات المجانية المتاحة في العراق، فأصبح الكثير منهم يشاهد الأفلام بطريقة مجانية وفي هواتفهم المحمولة، وثانيًا من الصعب عودة دور السينما كما في السابق والسبب أنه في الفترة التي سبقت الحرب في عام 2003 اندثرت الكثير منها وأصبحت مخازن للبضائع وساحات للوقوف والبعض منها مسارح تجارية، إلى عام 2010 ونشوء صالات السينما في المولات التجارية، أما المجتمع العراقي وخصوصاً شبابه، فأعتقد بأنه نسي هذه الثقافة وهي ثقافة مشاهدة فيلم سينمائي في صالة عرض مخصصة عكس بعض المدن الذي زرتها في فرنسا وإيران والجزائر ومصر وغيرها من البلدان، فالطوابير طويلة جداً لمشاهدة فيلم جديد أو إعادة فيلم كلاسيكي حتى، والسبب يعود لديمومتها في عروض الأفلام السينمائية المحلية والعالمية.

من جهته أكد السيناريست ولاء المانع، أنه لا يمكن حالياً لأي اكتشاف أو وسيلة قادرة على أن تنجح أن تثير اهتمام الشباب أكثر من الهاتف النقال، والتواجد للترفيه في المولات والمتنزهات بشكل شبه يومي، معتقداً أن دور السينما على قلتها ربما تسهم أحياناً في كسر النمطية والروتين والملل، لكنها ما زالت تعاني من قلة الرواد، خصوصاً أن الشاب لا ينتظر إلا أياماً قليلة ليشاهد أحدث ما في صالات العراق من أفلام وفي بيته ومن خلال شاشة موبايله ومجاناً، كما أن فكرة البناء الفكري والثقافي والفني لدى الشباب بشكل صحيح لا تقع أسبابها فقط على قلة الصالات السينمائية والمسارح والكاليريات وإهمال الجانب الحكومي، بل إن تربية المنزل هي أيضاً سبب في إهمال هذا الجانب، مستذكراً والده وأعمامه عندما كانوا يجتمعون بنهاية كل أسبوع ويأخذونه مع إخوته وأبناء عمومته في عمر المراهقة ليذهبوا لمشاهدة فيلم سينمائي أو عرض مسرحي وبعدها يجري بينهم حديث ونقاش نقدي بخصوص فكرة العرض وطرق صناعته وأداء الممثلين، 

لذا على الجميع إعادة النظر في كيفية العودة بأساسيات ترسيخ الثقافة والفكر البناء لدى الأجيال الجديدة.