البعد السياسي في مشروع طريق التنمية

آراء 2023/06/05
...

 محمد شريف أبو ميسم


ثمة بعد سياسي لا يمكن اغفاله في مشروع "طريق التنمية"، الذي أعلنت عنه الحكومة قبل بضعة أيام، ليس لأنه يربط دول المنطقة مع البلاد ويؤسس لعلاقات اقتصادية متينة مع تلك الدول وحسب، بل لأنه يؤسس لمرحلة سياسية واقتصادية جديدة على المستوى الدولي قبل المستوى الاقليمي. 

اذ لا يقف تأثير المشروع على خارطة التجارة العالمية، والتي ستتعرض للمتغيرات بحسب دراسات الجدوى التي سيغير من حساباتها المالية ومن اقتصاديات الوقت في نقل البضائع، وانما سيمتد هذا التأثير إلى مساحة التشابك في المصالح بين دول العالم ودول المنطقة، وبين شركات العولمة وامتداد نفوذها وحماية مصالح في المناطق التي تتواجد فيها تلك المصالح.

فعندما نتكلم عن حركة التجارة فإننا نتكلم عن تدفق السلع وانتقال رأس المال والأيدي العاملة وأفواج السياحة تحت مظلة العولمة، التي أسست لنهاية فكرة حدود الدولة التقليدية، اذ ليس من المعقول أن تترجل السلع والأيدي العاملة وأفواج السياحة عند المعابر الحدودية، بمعنى اننا نتحدث عن عولمة الأسواق وعولمة الانتاج وعولمة السياحة ثم عولمة الأمن، وبالتالي فاننا سنتكلم عن عولمة الشركات الأمنية، التي تحمي رساميل العولمة ونفوذها في مناطق وأقاليم العالم التي تتواجد فيها، وهذا ليس ضربا من خيال، وانما واقع ملموس في عموم أقاليم ومناطق العالم التي تتواجد فيها تلك الرساميل. 

وعلينا ابتداء أن نعي هذه الحقائق لنستوعب الكيفية،التي سنتعامل بها مع الشركات التي تحكم العالم ونحن بصدد الانفتاح في سياق البحث عن الشراكة بهدف تعظيم عناصر وأدوات التنمية، اذ إن حركة التجارة العالمية التي تتشكل خارطتها من جديد، ستصنع بيئات جديدة جاذبة للاستثمار والبيئة العراقية بيئة واعدة وأرض خصبة لتدفق رساميل العولمة، وهذا ما تطمح له الحكومات العراقية للخلاص من ترهل سوق العمل المكتظة بالأيدي العاملة العاطلة، بوصفها حلا جاهزا ومستوردا من الخارج، بهدف الخروج من عنق الزجاجة التي وضعتنا بها تطبيقات ما يسمى بشروط الاصلاح الاقتصادي، التي فرضتها الجهات الدائنة على الحكومات العراقية المتعاقبة، وما خلفته سياسة التخندقات الفئوية من فساد وتراجع على مستوى بيئة الأعمال في مختلف القطاعات. 

لكن السؤال هنا، كيف لنا أن نستفيد من تجارب الدول، التي خاضت في مثل هذا الانفتاح في ظل الهيمنة الأجنبية على الملفات الاقتصادية بدواع الوصاية والاصلاح الاقتصادي، في وقت يشهد فيه العالم حروبا اقتصادية بين الكبار، وتتشكل فيه كتل واندماجات جهوية بين دول العالم؟ المهم ألا ننزلق للوصاية المطلقة فتكون رساميل العولمة "على المدى البعيد"، هي الحاكم الناهي بدواعي حرية رأس المال، وحق الملكية المطلقة تحت مظلة شعارات الانفتاح، خشية أن نؤسس لفقدان الهوية ونحن بصدد البحث عن التنمية.