خطواتٌ على طريق التفاهم الإقليمي والدولي

آراء 2023/06/05
...


  محمد صالح صدقيان 

كثرت التكهنات بشأن أهداف الزيارة، التي قام بها سلطان عمان هيثم بن طارق لطهران الاسبوع الماضي، ربما بسبب شح المعلومات المسربة، ما زاد في حدة الفضول لدی الكثيرين لمعرفة ما دار وما تحدث به السلطان مع المسؤولين الإيرانيين؟ وهل أن الحديث شمل آلية احياء الاتفاق النووي؟ وفي ما اذا كان يحمل رسالة من الادارة الامريكية علی غرار الرسالة التي حملها سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد عام 2012 للمرشد الإيراني الاعلی الامام الخامنئي؟.

لم يكن لي وسيلة غير الذهاب لزيارة صديقي القديم؛ وهو مصدر رفيع المستوی استعين به في الاوقات الحرجة والمهمة.

سألته بوضوح عن المهمة التي حملت السلطان لشّد الرحال لطهران.

قال ان السلطان هيثم بن طارق ناقش في طهران ثلاث قضايا رئيسية وهي كانت علی مستويين. 

المستوی الأول مع الرئيس ابراهيم رئيسي، حيث تمت مناقشة القضايا التنفيذية. 

اما المستوی الثاني، فكانت مع المرشد الإيراني الأعلی الإمام الخامنئي. 

وفي كلا المستويين كانت القضايا الثلاث علی الطاولة وإن اختلفت مداخيلها. 

القضية الاولی: العلاقات الإيرانية الغربية وتحديدا مع الولايات المتحدة وروسيا ومالآت الاتفاق النووي. 

القضية الثانية: عمليات التطبيع مع الكيان الاسرائيلي ومخاطر هذه الخطوة علی الامن والاستقرار في المنطقة. 

اما القضية الثالثة، فهي التي تعلقت بالعلاقات الإيرانية العربية، وكيف يمكن لهذه العلاقات تعزيز التعاون والتنسيق وزيادة الثقة بين إيران وهذه الدول بما يحقق مصالح كل دول شعوب الاقليم ويعزز الامن والاستقرار في هذه المنطقة. 

واستطرد صديقي في الكلام مذكرا بتواجد كبير المفاوضيين الإيرانيين علي باقري في اجتماعي السلطان، إن مع الرئيس الإيراني أو مع المرشد الاعلی قائلا؛ إن تواجد باقري وهو معاون وزير الخارجية إلى جانب وزير الخارجية أمير عبد اللهيان، يعطي انطباعا واضحا إلى اهمية هذه المباحثات وعلاقاتها مع الاتفاق النووي. 

وزاد؛ إن اجتماع السلطان مع الرئيس الإيراني تطرق إلى التعاون الثنائي والاتفاقية المشتركة الشاملة المفترض ابرامها بين البلدين، اضافة إلى الجهود المبذولة للإفراج عن الودائع الإيرانية المحتجزة وتنفيذ صفقة تبادل السجناء مع الغرب.

واستذكر المصدر الإيراني رفيع المستوی الجهود، التي تبذلها الحكومة القطرية، والتي رأی فيها أنها تسير بهذا الاتجاه ولا تتقاطع معها، مشيرا إلى أن صفقة تبادل السجناء اصبحت جاهزة وهي علی الطاولة؛ اما الأرصدة الإيرانية المجمدة، فهي تاخذ طريقها للحل ولو إنها تحتاج لوقت بسبب تعنت وزارة الخزانة الامريكية، استنادا لقرار صادر عن الكونغرس؛ لكن المصدر الإيراني رأی وجود ليونة في الموقف الامريكي، لأسباب داخلية تخص الداخل الامريكي من جهة وخارجية تتعلق بالتطورات في الشرق الاوسط والملف النووي الإيراني علی وجه الدقة. 

كانت هذه الجردة المعلوماتية مهمة لي قبل أن أنتظر من صديقي أن يُعرّج علی لقاء السلطان بالمرشد، لأنه الاهم في هذه الزيارة، التي تعتبر الاولی للسلطان والذي حرص علی ألا تكون زيارة عادية. 

المصدر الإيراني رفيع المستوی أكد احترام المرشد والقيادة الإيرانية لسلطان عمان وللدور الايجابي، الذي تلعبه السلطنة في القضايا الاقليمية والإيرانية، ولذلك فإن اللقاء – كما قال – شمل اجتماعين الاول عبارة عن خلوة بين الرجلين؛ والثاني بمشاركة بقية اعضاء الوفد، حيث كان باقري حاضرا في الاجتماع الثاني. 

السلطان – يضيف صديقي – كان مهتما لسماع وجهة نظر القيادة الإيرانية، بعدما طرح وجهة النظر التي حملها من الادارة الامريكية بشان رغبتها في احياء الاتفاق النووي، كما تم التوقيع عليه عام 2015؛ أو الذهاب للتوقيع علی اتفاق بديل يستند إلی قاعدة "خطوة خطوة" مع أهمية وقف إيران تعاونها العسكري مع موسكو. 

المرشد الإيراني الأعلی الامام الخامنئي – يقول المصدر الإيراني – تكلم بوضوح وشفافية بشان الثقة المفقودة بالجانب الامريكي؛ وفقدان امكانية الاطمئنان بالوعود التي يعطيها؛ مشيرا في ذلك للثقة التي منحتها طهران لما وعد به الرئيس الامريكي السابق باراك أوباما، والمرونة التي ابداها المفاوض الإيراني للتوصل للاتفاق النووي، لكن الحكومة الامريكية في مابعد تنصلت من كل ذلك وضربته عرض الحائط لتنسحب من الاتفاق المذكور وتفرض عقوبات غير مبررة علی إيران. 

ونقل المصدر عن المرشد الإيراني رغبة إيران في اقامة العلاقات مع المجتمع الدولي والاقليمي، تستند إلی الاحترام المتبادل وعدم التدخل بشؤون الغير، شريطة أن يفي الآخرون بالتزاماتهم قبل مطالبة إيران بالتزاماتها. 

وما يخص العلاقة مع روسيا والصين فان طهران تعتقد أنها تسير بالاتجاه الصحيح بعدما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق وفرضت عقوبات ظالمة، في الوقت الذي تنصلت الدول الاوربية من التزاماتها بتفعيل الالية المالية للتعامل الاقتصادي مع إيران. 

واكد المرشد لضيفه إن إيران لم ولن ترغب بالدخول كطرف في الحرب الاوكرانية، دون أن ينفي وجود اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة يجري تنفيذها مع روسيا. 

وتعليقا علی المعلومات التي تحدثت عن امكانية احياء الاتفاق النووي - قال صديقي – إن الملف النووي الإيراني اصبح امرا واقعا لدی جميع الاطراف المعنية التي توصلت لقناعة أن البرنامج النووي، سواء كان مع الاتفاق أو بدونه فإن إيران، أصبحت تملك الدورة الكاملة للتقنية النووية وان اي اعتداء عليها سيدفعها للتفكير بأتجاهات اخری لصون مصالحها؛ لكن المشكلة عند الجانب الغربي – كما يقول المصدر الإيراني رفيع المستوی – هو كيف يمكن ابعاد إيران عن روسيا والصين، وتحديدا عن التقنية العسكرية الروسية، التي بدأت بالتدفق لإيران ومنها طائرات سوخوي 35. 

تركت صديقي وانا أفكر في مالآت هذه الافكار التي تجد عسر هضم لدی العقلية الامريكية. 

فهل تستطيع واشنطن ان تعطي إيران مايكفي لاشباع رغبتها وتمنح الثقة للإيرانيين حتی تبتعد عن الدب الروسي؟

وما هي المصداقية التي تستطيع ان تستند عليها امام طهران، التي لا تختزن في ذاكرتها الا صور الهيمنة والتسلط والمراوغة؟.

هذه اسئلة جوهرية من الصعب أن يرضی الإيرانيون عن اجوبتها مهما كانت بعد هذه السنوات العجاف، التي عاشوها وجها لوجه في الميدان وفي السياسة.