د. احمد جارالله ياسين
التجنيس أهم مسألة في عملية القراءة النقدية مهما اختلفت الرؤية إليه ما بين مؤيد ومعارض.. لأن ما يليها تابع لها ولا يمكن تجنيس نص ما من دون امتلاك ثقافة أجناسية يمتلكها القارئ، وإلا فإنه سيقع في حيرة أمام النصوص ذات الهوية الأجناسية الملتبسة مثلا، بسبب التداخل بين الاجناس أو كونها دون المعايير الفنية للجنس، الذي يقصده المؤلف بتقصير في ثقافته بالتجنيس..وهذا ما يحدث كثيرا في أيامنا. يضع المؤلف كلمة (قصص) مثلا على الغلاف.. بينما النصوص أقرب إلى المقالات.. أو يضع كلمة (شعر)، بينما النصوص من (الخواطر).. أو يضع (قصيدة نثر) والنصوص من (النثر الشعري).. وثمة فروق جوهرية بين هذه الأشكال الفنية جميعا.. وإدراكها بعمق يوجه الفهم النقدي نحو المسار الصحيح.. أما الجهل بها فيؤدي به إلى طريق طريبيل..
لقد أدى ذلك إلى فوضى في النقد بسبب هذا الارتباك في عملية التجنيس، بدءا من المؤلف المقصر في فهم الأجناس.. ووصولا إلى القارئ الناقد الراكدة ثقافته عند حدود التقسيم الكلاسيكي للأجناس ما بين نثر وشعر فحسب.. وأو فهمه محدود جدا بمعايير الأجناس.. وحدود كل جنس ..
ومن ثم نتج عن ذلك تعثر التلقي النقدي، الذي بات صاحبه عندما يكتب نقدا ضالا أشبه بمن (يثرد جنب الماعون).. فيتحدث عن نقد قصصي والنصوص من المقالات مثلا ...أو يدوخنا بالحديث عن قصيدة النثر والنص المنقود من النثر الشعري.. لقد قالها (تودوروف): إننا، حتى لو لم نؤمن بوجود الأجناس أو الحدود ما بينها في ظل الحداثة وما بعدها، إلا أننا نبقى بحاجة إلى الثقافة الأجناسية، لنعلم كم خرقنا الحدود أو كم التزمنا بها، اللهم اهد نقادنا إلى ما فيه خير لأنفسهم وللنصوص وللمؤلفين..