العراق بين طريقين

آراء 2023/06/06
...

سناء الوادي

كثيراً ما قوّضت أيادي الفاسدين والعملاء في العراق خطوات الصعود المثقلة بسنين الحرب والدمار، فكان كالبلبل الحزين الذي كلما أراد أن يغرد من جديد، معلناً عودته للحياة أسكته قفصٌ ذهبيٌ حُبس داخله لاحول له ولا قوة، فقد آن للعراق أن يتعافى من جروحه الغادرة، وأن يعود لموقعه الاستراتيجي في المنطقة، والذي طالما لعبت المطامع الخارجية دوراً في استغلال موقعه الجيوسياسي خدمة لمصالحها.
وفي هذا السياق فقد شهدنا منذ بداية العقد الماضي انطلاق المشاريع، التي تنادي باختصار طرق التجارة بين الشرق والغرب، وربط عشرات الدول مع بعضها بما في ذلك تقليل الزمن والكلفة في نقل البضائع، وتبادل أكبر للتجارة وتنشيط الصناعة، كتلك المبادرة التي أطلقها الرئيس الصيني شي جينبينغ في العام 2013م ودعا لإحياء طريق الحرير القديم بفكرة مبتكر، تتضمن انعاش الحزام الاقتصادي لكل الدول المرتبطة بالطريق، فكان لعدة دول عربية في آسيا موقع مهم عليه، ومنها العراق الذي كان من المفترض أن يتموضع في العقدة الأهم منه، وهي ميناء الفاو، لكن ولعدّة أسباب واختلافات في وجهات النظر السياسية أثّرت في تعليق هذه المشاركة لوقتنا الحالي، ليعلن منذ أيام رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في المؤتمر، الذي انعقد في بغداد وحضرته عشر دول عربية وإقليمية عن مشروع طريق التنمية، الذي سيربط بين جنوب العراق وتحديداً فاو البصرة بالشمال العراقي، ثم تركيا لينتهي في أوروبا تنجز المرحلة الأولى في 2025 م والأخيرة في 2028 م بكلفة تقدر بسبعة عشر مليار دولار، متضمنة تأهيل سكك الحديد وطريق النقل البري، ناهيك عن شراء القطارات فائقة السرعة.
ما إن أُعلن عن هذا المشروع حتى تناولته وسائل الإعلام بين المؤيد والمعارض والناقد، فهذا الذي يرفض أن يكون العراق مجرد طريق عبور لشحنات الدول المجاورة فقط، وذاك الذي يفند المعرقلات المانعة للحكومة، بتمويل هكذا مشروع في ظل عجز الموازنة العامة، وآخر يثير مخاوف من تزايد الهجرة غير الشرعية إلى تركيا وأوروبا، وغيره من يفّضل لو تم التفاوض على حصة العراق من نهر دجلة مع أنقرة قبل إبرام هكذا اتفاق، والكثير الكثير من الضخ الإعلامي السلبي برأيي ضد أي خطوة في طريق عودة العراق، لمكانته الفاعلة الاقتصادية والسياسية.
لو قرأنا كل الانتقادات السابقة، لوجدنا أن هناك من أغفل الواقع المتهالك للصناعة العراقية الغائبة، منذ ما يقرب من العشرين عاماً من جهة، ناهيك عن الخلافات الطائفية التي أوقدتها اليد الطامعة.
 لذلك فإن حرمانه من الاهتمام بالتنمية الداخلية كل تلك الفترة ناهيك عن سرقة خيراته، تجعلنا نشجع الخطوات التي تحاول إعادة العراق إلى سابق عهده، ناهيك عن إقرار حزمة من القوانين الاقتصادي، التي تشجع إحياء الصناعة وبناء المنشآت الصناعية خاصة البتروكيمياوية التي قد تجعل من البلاد مصدّرا رئيسياً لها، فضلاً عن القوانين المشجعة للمستثمرين العراقيين المغتربين والعرب لجذب القطع الأجنبي للداخل وتحريك عجلة الاقتصاد، قد تكون بداية النهضة العراقية ونقطة الانطلاق هي إصلاح قطاع النقل، ولا نريد إغفال أن العائدات من رسوم العبور على هذا الطريق ستساهم بدعم ميزانية الدولة، وقد تنافس مستقبلاً الممرات المائية الأخرى في حال اكمال تأهيل ميناء الفاو، ورفع قدرته الاستيعابية في استقبال الحاويات الضخمة، وقد تكون مقدمة لتقوية الدور السياسي للعراق واستخدامها كورقة ضغط على تركيا في موضوع السدود المنشأة على نهر دجلة، وقد نبلغ بالتفاؤل مبلغاً كبيراً بأن يؤدي ذلك للتحرر من الاملاءات الخارجية بأيدي العراقيين الشرفاء.
ناهيك عن تسهيل قدوم الزائرين للعتبات المقدسة من أوروبا برّاً على طريق التنمية الجديد، إضافة لنقل الحجيج إلى مكة المكرمة بعد ربط السكة بسكك حديد
الخليج.
ولكل من كان يرفض ارتباط العراق بطريق الحرير سابقاً، بذريعة رفض التبعية للصين والوقوع بفخ الديون الصينية، فقد يصبح مشروع التنمية مشروعاً واعداً يسمح للبلاد، أن تنضم للمبادرة الصينية باستقلال تام، ومن موقع الندية بالتعامل لا التابع، بوركت جهود الاقتصاديين والسياسيين والنافذين من الشرفاء، الذي يعملون لمستقبل أفضل للعراق.

 كاتبة سورية