مفهوم الدولة عند فالح عبد الجبار

ثقافة 2023/06/06
...

  حسن الكعبي
في كتابه الموسوم (ما بعد ماركس؟) الصادر عن دار الفارابي بطبعته الاولى – 2010، يتابع المفكر الراحل فالح عبد الجبار مفهوم الدولة الديمقراطية، وقيامها في العالم العربي من منطلق روح الباحث السيسيولوجي المختصّ، والمتابع لتاريخانيَّة التحولات الديمقراطيَّة في فضائها العالمي، فبعد استعراضه لمفهوم الدولة في تصورات ماركس النظرية وارتباطها بمرجعيّات هيغل وفيورباخ ومونتسكيو، ومناخاتها الجدليّة والمثاليّة ومآلها الى المادية الجديدة التي طرحها ماركس كرحلة ارتيابيّة في مفهوم الدولة في تصور ماركس الذي يصفه - المفكر فالح عبد الجبار-  بعدو الدولة او العدو اللدود للدولة -  نتاج انهماك ماركس بما يسميه عبد الجبار (بلحظة المجتمع) التي منعت ماركس من لحظة الانتقال الى الدولة ويرى - عبد الجبار -  هذا النقص (خارج حدود الاولويات المنهجية ذلك التضاد المؤسسي.
بين محدوديّة الكائن البشري، والامتداد اللانهائي لوقائع التطور البشري) أي أن هذه القاعدة في الحتميات التاريخية منعت ماركس من وضع نظرية واضحة ومفصلة عن الدولة كما يرى المفكر الراحل، وبعد ان يطرح المفكر فالح عبد الجبار عدة تساؤلات حول مفهوم الدولة في تشكلاتها على الصعيد العالمي وما آلت اليه بعد ماركس، ينطلق بهذا المفهوم إلى المجال العربي وإشكاليّة مفهوم الدولة داخله والتي يعبر عنها بالدولة المستحيلة نتيجة لعدة جوهريّة أدت الى هذه الاستحالة.
في سياق تساؤلاته هذه يتوصل إلى جملة من الاستبصارات المعرفيّة الحاذقة والألمعيَّة الفكريَّة الحادة عند الراحل الى تشخيص الاشكاليات التي تعترض تمثيلات الدولة الديمقراطية واستيطانها في الفضاء العالمي والعربي على وجه الخصوص بعد جملة الوقائع السياسية والاجتماعية التي أدت الى تطور الخارطة السياسيّة والاجتماعيّة ونظرتها لمفهوم الدولة الديمقراطية.
إنَّ الدولة الديمقراطية في العالم العربي كما يرى الراحل تفتقر إلى شروط أساسية تمكنها من الاستيطان في السياق العربي والتي يرجعها الراحل الى (ثلاثة شروط مؤسساتية، وهي تطور الأسواق كقوة اقتصادية منفصلة عن الدولة، وصعود الطبقات الوسطى الحديثة، والخروج من أسر الثقافة التقليديّة كمنبع للشرعيَّة السياسيَّة) بيد أن الأسواق ورغم بعض الاصلاحات فإنها (بقيت مقيدة) ومرتهنة للدولة والطبقات الوسطى في الاصقاع العربية وترتكز على جماعات منغلقة وطوائف ثابتة تستبعد المساواة السياسيّة وحتى بعد تمكن هذه الطبقات من الانتقال الجزئي نحو المجتمع الحديث المنفتح إلا أن ثمة أسساً لم تتحقق في تمكين الديمقراطية من القيام في العالم العربي ومنها هيمنة التقاليد الثقافية في تدبير الدولة وتشريع ممارساتها، ويؤكد الراحل على ضرورة كسر الصلات المتداخلة بالأسواق المقيدة أو الاقتصاد الأوامري الريعي بالثقافة التقليديّة لأنَّ ذلك هو (المنعطف التاريخي الفعلي نحو الانتقال الديمقراطي).
تكتسب المراجعة التاريخيّة ضرورة كبرى لإنشاء تصورات حول مستقبل الديمقراطية ومآلاتها لذلك فإنَّ المفكر الراحل يعتمد هذه الستراتيجية في مراجعة وفحص مفهوم الدولة الديمقراطية في ضوء السجالات المحتدمة في العالم العربي حول مفهوم الديمقراطية وقيام دولتها المنشودة، لكنه يرى أن هذا السجال يرتكز إلى مدرستين أساسيتين تتمظهران بلبوسات تقليديّة او حديثة هما مدرسة النظام الواحد او بديله النظام الشعبوي بطبعته الأصوليّة ومن ثم فإنَّ السجال الديمقراطي الحالي يبقى ضمن حدود هاتين المدرستين اللذين يشكلان عائقا في قيام الدولة الديمقراطية فالديمقراطية او الدولة الديمقراطية كما يرى الراحل بالاستناد إلى العلوم الاجتماعية (الديمقراطية التمثيلية الدستورية، الفاعلة في اطار الدولة القومية الحديثة، كنظام شامل بكامل طبقاته وأفراده، نظام حديث العهد، ينتمي إلى طور متقدم من العصر الصناعي ولا سابق له قبل هذاالعصر).
إنَّ العالم العربي كما يؤكد يفتقر إلى هذه الخصائص والمشترطات في قيام الدولة الديمقراطية وعليه معالجتها ومعالجة ما يترشح عنها من تفككات من شانها أن تطيح بالتجربة الديمقراطية، فالعالم العربي الآن يقول فالح عبد الجبار ما زال (يساحل على ضفاف هذا التفكيك، في  وجل.
وقبل نحو ثلاثة قرون سخر مونتسكيو، صاحب – روح الشرائع – من هذه المساحلة، قائلا: إذا لم نكن نمتلك الأشياء، فلنملك إذا مظاهر الأشياء).