عينٌ على اتحاد أدباء صلاح الدّين

ثقافة 2023/06/06
...

 سلام محمد

كما يقال “إنَّ اللغة تعبّر، والأسلوب يُبرز” فإنّي أرى أنّ المنصب أيّا كان ممكن أنْ يعرّفك، أو يعبّر عن وجودك، بينما العمل هو الذي يبرزك ويميّزك، وكعادتي حين أذهب زيارةً إلى مدينة أخرى، فإنّي مباشرةً أسأل عن ملامحها الثقافيّة، وعن مثقفيها، ومؤسّساتها الثقافيّة، فمن خلال هذه التساؤلات تستطيع أن تقيس مكانة أي مدينة، والشوط الذي قطعته في مجال الثقافة والحياة، وإنّ صناعة الثقافة لا تأتي من الأخيلة والأحلام فقط؛ لكنّها تأتي من الإرادة الحقيقيّة والعمل المتواصل، وكما يقول المسرحي الألماني برتولت بريخت (أعطني خبزا ومسرحا أعطيك شعبا مثقفا) فلا بدّ لكلّ مجال معرفي أو ثقافي من أمكنة مشخّصة تليق به، وللأسف نجد في بلد الثقافة وبلد “بغداد تقرأ” أنّ مؤسسات ثقافيّة مثل بعض اتحادات الأدباء تسكن بالإيجار.! هذه مفارقة كبيرة مع الأسف، بينما بعض اتحادات الأدباء تجدها متهالكة نخرتها السنين، وأكلت من حيطانها الكآبة، وديدان النسيان، وكأنّ هذه المؤسسات تتماهى مع الوضع السائد الذي جعل الأدب في مؤخرة العجلة، بينما كان من المفترض أن تدافع عن نفسها أمام الموت الذي يحاول محوها وجعلها مثل دور السينما.! في ظل هذه الوضع تتفاجأ أن هناك اتحادا- مثله أيضا اتحادات ليست بالكثيرة- يعيد إليك الأمل ويأخذك إلى أزمنة الكلمة الذهبيّة، وهو اتحاد أدباء صلاح الدين الذي يرأسه الدكتور غنام محمد وهو في ذات الوقت عضو المجلس المركزي في الاتحاد العام، والذي صنع جهدا استثنائيّا يحسب له ولهيأته الإداريّة وكل من عمل على جعل المدينة ناصعة البياض بمؤسساتها التي “تفتح النفس” وحين اصطحبني الدكتور غنام إلى مقر اتحاد أدباء صلاح الدين دخلنا في حيٍّ راقٍ اسمه حي القضاة قلت إن اتحاد الأدباء ليس كثيرا عليه هكذا حي أنيق، وحين دخلت إلى مقر الاتحاد وجدت مقرا بكامل اللياقة الجماليّة وبقمّة النظافة والحداثة حيث تشعر أنك في أزمنة الأدب الحقيقيّة.
فهكذا مقار تكون أولاً حضاريّة، وثانياً مواكبة للحياة، فبعض المقار تشعرك أنك في عصر المماليك ولا تدري بأي لحظةٍ ستتهاوى عليك.! ومن أجمل ما سمعت من الدكتور غنام أنه خلال لقائه بالسيد رئيس الوزراء استحصل الموافقة لتخصيص قطعة أرض في حي القضاة نفسه مساحتها 1700 متر لتكون مقرا للاتحاد، ما أجمل أن تجد هكذا عاملين في حقل الثقافة، والأجمل أن ترى هكذا إنجازات تجعلك تطمئن على الكلمة، وعلى الثقافة المواكبة للعصر والحياة، ففي صلاح الدين شعرت أن القصيدة لأول مرّة ترتدي البنطال الجينز، وتستعمل فرشة أسنان، ومعجون الحلاقة، لأوّل مرة أرى القصيدة ابنة العصر، ابنة الحضارة، بكامل أناقتها ونظافتها، وأنا ككاتب لا بدَّ لي من الإشارة إلى كل مساحةٍ غنّاء تنافس الوقت وتسبقه ربّما إلى كلّ ما هو جديد.