حسن العاني
لا آتي بجديد إذا قلت عن قناعة، وعلى وفق الوقائع الماثلة أمامي [لا أحد كالعراقيين في إكرام الضيف]، ومعلوم بأننا ورثنا هذه الطبيعة، وبلغ إيماننا بها حد التطرف، فقد ورد عن (حاتم الطائي) بأن ضيفاً زاره من غير موعد، وكان مطبخه خاوياً من الطعام – أغلب الظن لأن زوجته كانت تقضي ثلاثة أرباع وقتها أمام المرآة – وربما كان الرجل يمر بظرف اقتصادي صعب، فما كان منه إلا أن ذبح فرسه وقدم لحمها على أغرب مائدة في التاريخ، هل سمعتم تصرفاً يدل على جنون صاحبه أكثر من هذا التصرف؟! ويظهر أن إكرام الضيف هو من أهم صفات العرب، ومن هنا نقرأ للحطيئة
(وقال ابنه لما رآه بحيرة / أيا أبتِ اذبحني ويسر له طعماً) مثلما كنا نردد أيام دراستنا قول الشاعر (يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا، نحن الضيوف وأنتَ ربُ المنزلِ).
وما زلنا نباهي بأننا الكرام الأجواد في تعاملنا مع الضيف، لم نتغير حتى في العصر الحديث، منذ كنا نبيع برميل النفط بأقل من عشرة دولارات إلى أن أصبحنا نبيعه بأكثر من مئة دولار. ومن آيات كرمنا التي نفاخر بها ونمارسها في تعاملنا وموقفنا، أننا نمد إلى ضيوفنا يداً سخية ونفساً كريمة، حتى لو كان هذا الضيف أو ذاك قد أساء إلينا إساءة لا تنسى ولا تغتفر، نفرش له المائدة العامرة بالأفضل من أنواع الأطعمة، والغنية بأنواع الفيتامينات والبروتينات، على الرغم من أننا في خاتمة المطاف والنهاية – وهذه سجية من سجايانا – نقوم بطرده بعد الانتهاء من تناول طعامه. أ لم يكن هذا هو موقفنا مع البريطانيين الذين أكرمناهم على أفضل صورة، خاصة بعد أن خدعونا بقولهم إنهم دخلوا بلادنا بصفة محررين لا فاتحين لتخليصنا من العثمانيين واحتلالهم
البغيض !.
وإذن فهذه هي طبيعتنا ونحن في أرحام أمهاتنا، ولما كان الشعب العراقي بعد سقوط النظام قد أصبح هو صاحب الكلمة ومصدر السلطة، وبيده الأمر والنهي كما يقول الدستور، لذلك نرفع أصواتنا عالياً، ونطالب الجهات المعنية بعدم التدخل بيننا وبين ضيوفنا الأعزاء من تركيا وأقطار الخليج وشتى الجنسيات، وخاصة (الأميركان والإيرانيين)، إنهم في وطنهم الثاني، بل الأول، يتمتعون ويسكنون ويتنقلون ويقررون ما يريدون على هواهم. كل ذلك بإرادتنا وموافقتنا، ولا يحق للحكومة عقد اتفاقية تحدد مدة إقامتهم، إذ ليس من أصول الكرم العراقي تحديد إقامة الضيف. إنهم أحرار في اختيار اللحظة التي يودون العودة فيها إلى ديارهم، وسنطلب منهم البقاء معنا إلى الأبد، نقسم عليهم بطلاق زوجاتنا أن يأكلوا أكبر هبرة وأطيب لحمة، حتى لو اعتذروا بأنهم أصيبوا بالتخمة، لأن هلاكهم أهون علينا ألف مرة من أن يردوا يدنا
الكريمة.