آراء ونظريات شعرية

ثقافة 2019/04/23
...

حسين الصدر
- 1 - 
للشعراء أمزجة خاصة قد لا تتفق مع كثيرٍ مِنْ أمزجةِ غيرهم مِنَ الناس..!!
ولهم آراء ونظريات في العديد من القضايا والأحداث ، 
واذا كان الفقهاء يستنبطون الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية 
{ الكتاب والسنة والاجماع والعقل } فان الشعراء يلجأون الى المزج بين الواقع والخيال ، ويُطرِزُون الأشعار بالأخيلة والصور الجميلة فيضفون عليها عناصر من الجمال والفاعلية .
 
- 2 - 
ولكلِّ صنفٍ مِنَ الناس أعرافٌ وتقاليد معيّنة يُعرفون بها ..
كما هو الحال في الدبلوماسيين والعسكريين مثلا، فهم ليسوا نسخا مطابقة لنُسخ الآخرين ..،
وهكذا هم الشعراء ..
انهم نسخ فريدة .. لا تقاس بها سائر النسخ ...!!
 
- 3 -
ولنبدأ الآن بايراد بعض الأمثلة والنماذج 
قال ابن مكانس المصري ( 767 هـ - 822 هـ ) :
جزى الله شيبي كلَّ خيرٍ فانّه 
دعاني لما يُرضي الالهَ وحَرَّضا 
 
فأقلعتُ عن ذنبي وأخلصتُ تائبا 
وأمسكتُ لما لاح لي الخيطُ أبيضا 
وهنا ترى الشاعر قد مارس السباحة ضد التيار، فمعظم الناس ينفرون من الشيب ، ويعمد بعضهم لاستخدام الأصباغ لاخفائِهِ ...
أما ابن مكانس فقد سُرَّ بِهِ سروراً عظيما، وعلّل ذلك بكون الشيب داعيا للطاعة ومُحرّضاً عليها ،
وهكذا يختفي العصيان وتبرز ملامح الأعمال الصالحة تزامنا مع ظهور الخيط الأبيض ...
ولقد كان الشاعر موّفقا حين عبّر بالخيط الأبيض عن الشيب .
وابن مكانس شاعر لا تنقصه المقدرة على أنْ يقول ما يريد :
اسمعه ماذا قال عن ابنه :
أرى ولدي قد زادَهُ اللهُ بهجةً 
وكمّلَهُ في الخَلْقِ والخُلْقِ مُذْ نَشا 
سأشكرُ ربي حيث أُوتيتُ مثلَهُ 
وذلكَ فَضْلُ الله يُؤتيه مَنْ يشا
وتراه هنا مبتهجا بابنه الذي رآه بفضل الله كاملا خلقا وخُلُقا منذ النشأة وهذا ما أوجب عليه شكر الله سبحانه الذي تفضل به عليه ..
 
- 4 -
وقال ابن الشحنة (ت 830 هـ) :
لا تلوموا الغمامَ إنْ صَبَّ دَمْعاً 
وتوالتْ لأجله الانواءُ
 
فالليالي أَكْثَرنَ فينا الرزايا 
فبكتْ رحمةً علينا السماءُ 
انظر كيف جعل الشاعرُ الغمامَ والانواءَ بمثابة الدموع المتساقطة رحمةً بأهل الأرض، لكثرة ما يعانون من المحن والمصاعب ..،
وكيف نجح في تقديم صورة مُوحية مثيرة ...
 
- 5 -
ويعبث ابن الغرس المصري (ت 843 هـ) بعجوزٍ تَلّقَتْهُ بابتسامتها ، فما كان منه الاّ أنْ قال :
عجوزةٌ حدباءُ عاينتُها 
تبسمتْ قلتُ : استري فاكِ 
سبحان مَنْ بَدَّلَ ذاك البَها 
بِقُبحِ أشداقٍ وأحناكِ
أرأيت كيف تكون المزاجية ؟
انها قابلته بالابتسام ولكنه قابلها بمّر الكلام ..!!
لقد تركت عليها الشيخوخة بصماتِها وتلك قضية طبيعية،ولكنّ الشاعر حوّلها الى ناشز من الصور ..!!
 
- 6 -
واسمع ما قاله القاضي محبّ الدين محمد القرشي (ت 872 هـ) عن نفسه :
الهي ظلمتُ النفس إذ صرتُ قاضيا 
وأبدلتُها بالضيقِ مِنْ سَعةِ الفضا
 
وحمّلْتُها ما لا تكاد تطيقُه 
فأسألَك التوفيقَ واللطفَ في القضا
لقد جلد ذاته ، وعبّر عن ظلمٍ أوقعهُ بنفسه ، حين تولى مهمة القضاء، فانتقل من السعة الى الضيق ، وحمل ما لايكاد يُطيق ..!!
وتوّجه بالدعاء الى الله سبحانه أنْ يمن عليه بالتوفيق ..!!
 
- 7 -
ونقل عن الشاعر الانصاري الأسواني (عمر بن عبد الله) (ت 826 هـ) 
انه كان شديد الاعجاب بنفسه، وكان يرى انه يجب على الناس جميعا تعظيمه ..!!
ومن هنا كرهه الناس،
واسمعه ماذا يقول :
إنّ دهري لقد رماني بقومٍ
هُمْ على بَلوتي أشدُ حثيثا
إنْ أَفُة بينهم بشيءٍ أجدهم 
لا يكادون يفقهون حديثا 
وهكذا تكون أمزجة الشعراء وهي لا تخلو من غرابة في بعض الأحيان .