الدلالات الستراتيجية لتطور العلاقات العراقية – السعودية

آراء 2019/04/23
...

عبد الحليم الرهيمي
أعطى التطور المتسارع لمسار العلاقات العراقية – السعودية مؤشرات مهمة لمستقبل واعد لهذه العلاقات بما اسفرت عنه حتى الان من نتائج اولية تستجيب للمصالح الوطنية السياسية والاقتصادية والأمنية للبلدين وشعبيهما ، وذلك فضلاً لما يؤشر به هذا التطور المتسارع في العلاقات من دلالات ستراتيجية تتجلى في تحقيق الامن والاستقرار لكل من العراق والسعودية وكذلك دول وشعوب المنطقة الاخرى .
 فزيارة الوفد العراقي الكبير الذي زار الرياض يومي 17 و 18 نيسان الجاري وقام بالتوقيع على 13 اتفاقية وكذلك توقيع مذكرات تفاهم بين البلدين بحضور رئيس مجلس الوزراء العراقي والوفد المرافق له ونظرائهم من السعوديين ، لم تكن زيارة مجاملة او رد لزيارة مماثلة قام بها وفد سعودي كبير خلال يوم 3 و 4 نيسان الحالي ايضاً والتقى خلالها كبار المسؤولين العراقيين فضلاً عن توقيع الوفد على عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بالاحرف الاولى للتوقيع عليها لاحقاً في الرياض ، كما حصل فعلاً بزيارة الوفد العراقي ، انما عبرت عن التجسيد العملي والترجمة الواقعية لعزيمة قيادتي البلدين وارادتهما للسير قدماً في هذا التوجه وبرغبة قوية لترسيخ وتعزيز العلاقة بين البلدين وفي مختلف المجالات .
وبالطبع ، فأن هذا التطور النوعي المتسارع الذي مثل تحولاً تاريخياً ستراتيجياً في العلاقات العراقية – السعودية هو تطور سوف لن يقتصر على ما تحقق حتى الان على الصعيد العملي من انجازات كبيرة مهمة تمثلت بالزيارات المتبادلة لوفود رسمية رفيعة المستوى وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين ، انما ما تعد به هذه الانجازات بما سيتحقق بشكل اكبر من مصالح وطنية لكل منهما على الصعيد الستراتيجي . ففي حين تأمل السعودية وتسعى لتحقيق اهداف ومصالح اقتصادية وسياسية وامنية ، يتطلع العراق بدوره لتحقيق مصالح متماثلة ، خاصة وان السعودية تعد بالمساهمة باعادة اعمار ما دمرته الحروب وخاصة حربنا الوطنية ضد داعش ، وكذلك المساهمة في مشاريع الاستثمار الاقتصادية والعمرانية الكبيرة .. والى غير ذلك مما يحتاج اليه العراق . غير ان الهدف الستراتيجي المهم الذي يهدف العراق ويسعى الى تحقيقه هو الترجمة العملية لسياسة التوازن الستراتيجي في مواقفه تجاه دول الاقليم خاصة دول العالم الاخرى بما يمكنه من تحقيق هدفه المعلن بالنأي بالعراق عن الصراعات الاقليمية والدولية وبما يجنبه وشعبه كوارث وويلات الانحياز الى هذا الطرف او ذاك من الاطراف المتصارعة ذلك ان اول ما تعنيه هذه السياسة على الصعيد الستراتيجي هو تبديد الانطباع السائد بانحياز العراق الى دول اقليمية من دون غيرها وعلى حساب الاخرى ، وسعيه لتعزيز وتطوير علاقاته مع الجارة الشقيقة السعودية سيؤدي ويعادل علاقاته المتينة القائمة مع الجارة الشقيقة ايران وهذا ما سيبدد عملياً الانطباع القائل بالسياسة الاحادية الجانب
 للعراق .
 كما ان تعزيز وتطور العلاقات مع السعودية الحليفة للولايات المتحدة المتصارعة مع ايران ، سيبدد الانطباع بان العراق يقف في الجبهة المعادية للسعودية والولايات المتحدة التي يمثلها ايران ، وهذا سوف يجسد عملياً القول بنأي العراق عن صراع المحاور الاقليمية والدولية ، بل سيمكنه ، خلافاً لذلك ، من القيام بدور التخفيف من حدة الصراع والوصول به الى توفير أرضية وبيئة للحوار والتفاهم بين القوى المتصارعة بجهوده وسياسته المتوازنة والرافضة للانحياز الى هذا المحور او ذاك من محاور الصراع .
غير ان هذه الرغبة العراقية بانتهاج سياسة النأي بالعراق عن محاور الصراع ، والتي يشكل احد اعمدتها في المرحلة الراهنة ، تعزيز وترسيخ علاقاته مع المملكة العربية السعودية لما تحتله من موقع بين أشقائها من الدول الخليجية والعربية عموماً فضلاً عن البلدان الاسلامية ، انما يفتح الافاق الواسعة امام العراق لتطوير شبكة علاقاته بشكل اوسع مع تلك الدول ، بما يمكنه من لعب دور ريادي فعال ومؤثر في توجيه سياسات
 المنطقة .
ان هذه الدلالات الستراتيجية التي ينطوي عليها تعزيز وتطوير العراق لعلاقاته مع السعودية لن تروق او تحظى بالرضا من قوى داخلية واقليمية لها رؤية سلبية فيما يقوم به العراق على هذا الصعيد ، وهذا ما يتطلب “ بل ما يوجب “ على صانعي القرار في بغداد والرياض ، السعي المكثف والمتواصل لتبديد تلك الرؤية السلبية وتعبيراتها تجاه التحول النوعي في العلاقات العراقية – السعودية واستطراداً في علاقاته مع دول الجوار ودول الاقليم المعنّية.