خضير الزيدي
لم تكن طريقة نهاد العزاوي في التعامل مع الخامات المتعددة لمنجزه الفني بعيدة عن أذهان الجميع ممن رأى تلك المنحوتات الرشيقة، فهو يفعّل التعامل مع أنواع متعددة من الخامات، وينظّم ذلك السياق الفني بتوازن من حيث التوزيع والشكل والمعالجة في الاداء البنائي وفي كل مرة يجتهد وهو محاط بهالة من التداخل الثنائي للعمل من حيث صياغاته واعادة تكوينه بما يجعل المتلقي يقف مشدودا إلى رؤيته.
هذا الاجتهاد هو حصيلة عمل متتابع ورؤية تتقد وتثير فينا الفضول لمعرفة المزيد مما يتعامل معه هذا الفنان المثابر من تقنية
وطرح فني واختلاف في الرؤية، ويشفع له في مثل هذا الاشتغال الجمالي مدى الحساسيَّة في الارتقاء بحدسه وبراعته حيال عالم النحت، فأعماله بكل ما تحمل من رشاقة في القوام وتوازن في الشكل ودقة في المهارة
والقياسات ستقدم لنا منهجا أسلوبيا نحتيا مختلفا، بل ومتنوعا فالتأثير الذي يجب ذكره هنا انه متعلق بالموجودات التي نتعامل يوميا معها وكأنَّ نهاد العزاوي يريد التذكير بما يمثل ظاهرة وجود ليعمل مسحا واجراء لما
يحيطنا.
وتبقى وظيفة العمل وقدرتها في توجيه الجمال حيال عين المتلقي من الدرجات المهمة التي يعتبرها ضربا من البرهان على ما تنطوي عليه ارادته وقناعته وسعيه فهو يجسد ذلك التنوع في المواد الخام ليحصل على عمل متكافئ ويمتثل لنشاط مخيلته، وأهم ما يحسب ونحن نقف عند رؤية هذه المنحوتات انها بعيدة عن البهرجة لا تضع لها مدارا يثير الشك في خصوصيتها، وإذا دل ذلك على شيء فإنما يؤكد اصالة المعطى الجمالي والفني لطريقته في التعامل مع عوالم النحت.
هذا النحات لا يلجأ للتعبير الغامض ولا يسحب عمله لعلامات كثيرة انه ينحاز لبساطة في الشكل بما يجعل عاطفة المتلقي تكتفي بما تراه وهكذا سنمضي بكل هذا الشغف في الاهتمام بمثل منجزه وقد سبق ان تعامل بنزعة ذاتية حينما وفر للمتلقي وضع اكثر من علامة في عمله ليستدل على وحدة التواشج التي يرغب في اظهارها داخل منظومة منحوتاته لكن لنتساءل ما الاجتهاد في فنه؟
أغلب أعماله في النحت لا تدور حول نفسها بقصد الاثارة انما تتسع في مراتب تجديد الخطاب الفني الملتزم وقد يحسم
امره حينما يصالح بين رؤيته ومتناقضات الحياة وصور استرجاعها عبر حساسية التلقي وفعل الذاكرة، وهذا النمط من البنائية الفنية في النحت يبدو صلبا ومتفردا وحيويا لأكثر من سبب ولعل الملفت فيه انه يحدد مسار اشتغاله ضمن ضرورات الفن ومهامه الفنيَّة والتعبيريَّة وكأنَّه يخاطب اعماقنا ليأخذنا
لى ما نحن مسحورون به جراء خلفيته التعبيرية ومهاراته ونزعته في الفن، حتى ان العمل تراه يمتلك حكاية ودراما من دون أي ادّعاء يربكنا فهو بعيد عن الغنائية والترف انما فنه
اقرب للحكاية الممتلئة بحساسية كياننا البشري ووجودنا، وهكذا تدار منظومة أعماله ضمن مبدأ (الهدم والبناء) وهو ما نراه من تعدد الخامات وتنوعها وطريقة تكوينها ضمن نسق يبدو غريبا على من خبر
النحت بمادة خام واحدة وما يمكن التذكير هنا انه يتماشى مع خطاب الحداثة وتجديد الفن بما يتماها مع اطروحات الكثيرين ممن يرون في الفن مساحة تحتمل المزيد
من الرؤية والتعزيز في خطاب المغايرة من
حيث (الاشكال وبناؤها) وعليه سيصبح التجديد في الشكل غاية يراقبها نهاد العزاوي عن كثب ويسعى لإقامتها بكل ما يمتلك من وعي لتتحرك
جميع منحوتاته الجديدة تحت هذا الغطاء الفني والبنائي لأنه يدرك بأن بواعث تجديد الشكل
تحمل أكثر من مسعى مثلما تحمل أكثر من غاية وطريقة في البناء.
وأهم ما يمكننا القول في نهاد العزاوي أنه يظهر لذة إحساسه ضمن استجابة المخيلة وهو جدل يقوم على بساطة في التعبير ولكن غاية في الأهمية من حيث المدلول التعبيري لقد أخذ بعناصر مواده الخام الى زاوية حرجة أمام عين المتلقي فكانت من خلال ربطها التعبيري تبدو مدوّنة بصريَّة تختل في ايقاعها، ولكن طريقتها الأسلوبيّة تحافظ على مرجعيات لها صلة بمن يرى أو يقف متأملا أمام اشتغالاته الأخيرة.