علي حمود الحسن
انتهيت مؤخرا من قراءة كتاب "السينما الإيرانية.. تاريخ سياسي" بعد طول انتظار، إذ لم أحصل على الكتاب، لا في معارض كتب بغداد، أو أربيل، لولا أن أسعفني صديقي وزميلي الأنثروبولوجي الجميل د. علاء ادريس بإعارة الكتاب وبسقف مفتوح، فشكرا لأريحيته.
الكتاب الذي ألفه الناقد السينمائي الإيراني حامد رضا صدر، وترجمه الراحل الفذ أحمد يوسف، ويقع في 395 صفحة، تضمن تسعة فصول وملحقا بأسماء الأفلام، غطى من خلال منهج تحليلي سياسي اجتماعي، أكثر من قرن، لمسيرة السينما الإيرانية، التي بدأت بصناعة افلام تسلية وهروب، وانتهت في الألفية ثالثة بأفلام تحظى باحترام النقاد والمهرجانات وعموم جمهور السينما، اذ حصلت بعضها على الأوسكار، وأخرى حازت سعفات كان الذهبية، فضلا عن أسود ودببة فينسيا وبرلين.
عرف الإيرانيون السينما مبكرًا من خلال مليكهم مظفر الدين خان المهوس بالفوتوغرافيا، إذ بهره اختراع الاخوة لوميير، فأمر مصوره أكاباشي بتعلم تشغيلها، وبدت العروض في البلاط الملكي، ثم افتتح تاجر مغامر دار عرض سينمائية في العام 1904، بعدها انتشرت السينمات، وصار الاقبال عليها كبيرا، وكانت أفلام هوليوود هي السائدة، ولعل أبرز فيلمين إيرانيين شهدتها ثلاثينات واربعينيات القرن هما الفيلم الصامت "حاجي خان"(1932) للأرمني افانيس أوهانيان، والفيلم الناطق "فتاة اللوز"(1933) للمخرج عبد الحسين سيبانتا، الذي من خلاله شاهد وسمع الإيرانيون شخصياتٍ تتحدث الفارسية، بينما بدت الأربعينيات أقرب إلى السبات بحسب المؤلف.
ورصد المؤلف المفتون بتحليل الأوضاع السياسية والاجتماعية، المتغيرات التي عصفت بالشعب الإيراني، وعلاقة ذلك بصناعة الأفلام ومشاهدتها.
فمن وجهة نظره أن معظم الأفلام كانت للترفيه، وهي تجمع ما بين الميلودراما الهندية و"الاكشن" الهوليوودي، وغالبا ما تكون شخصياتها وهمية، فثمة البطل شعبي ذو كاريزما شعبية، فهوى قوي وذكي وساخر، ويجيد الرقص والغناء، بالمقابل تطور الوعي عند صناع سينما إيرانيين، وجدوا في هذا الفن الجديد، وسيلة يمكن أن تغير المجتمع وتعبر عن هويته الثقافية، فبادر مخرجون رائعون إلى تقديم أفلام: تمثل هذا الاتجاه منها فيلم "البقرة" داريوش مهرجوئي، وشهدت نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، ظهور موجة جديدة من مخرجين متنورين، سيشكلون طفرة في السينما الإيرانية، على الرغم من تابوات الرقابة الحازمة، أبرزهم: محسن مخلمباف وأسرته، وعباس كيارستمي، ومجيد مجيدي، وأمير نادي، وأصغر فرهادي، وجعفر بناهي.. إلخ، فضلا عن نساء مخرجات، اقتفين اثر شهلا رِياحي كأول مخرجة سينمائية إيرانية، أخرجت فيلما بعنوان "مرجان" عام 1956، وينهي رضا صدر كتابه الممتع والرصين بالقول : "لا توجد سينما متسامية من البراءة، لم يلمسها العالم ولا سياساته".