الآخر في «عابر سرير»

ثقافة 2023/06/13
...

 أحمد حميد


إنَّ مسرح الرواية لا يزال موزعاً، شأن الكثير من الروايات الجزائرية المشابهة، بين الوطن والمنفى، إلا أن أحلام مستغانمي في عملها «عابر سرير»، تعيد خلط الأوراق في شكلٍ كاملٍ ملبسة الواقع الروائي لبوس الحياة الفعلية، ومحولة هذه الأخيرة إلى ما يشبه المجاز.

نتعرف في الرواية إلى مصور جزائري حائز جائزة الصورة العالمية عن صورة يلتقطها لكلب نافق في إحدى المجازر. ذلك المصور المجهول الاسم، شأنه شأن كل الجزائريين المقهورين، يطلق على نفسه اسم (خالد بن طوبال)، وينتقل إلى باريس ليتعقب هناك أثر البطل الحقيقي الذي أعطته الرواية اسمه ومهنته ودوره. وفي باريس يتعرف إلى (زيان)، الرسام الكهل المصاب بالسرطان، والراقد في أحد المستشفيات، ليكتشف عبر رحلة من التقصي المضني أن زيان بدوره ليس سوى الاسم المستعار الآخر لبطل رواية «ذاكرة الجسد». 

لا يقف التعقب عند ذلك الحد، بل أن التشابك المراوغ بين الكتابة والحياة يسحب نفسه على المرأة الفرنسية (فرانسواز) التي يصادفها خالد المصور في معرض لرسوم زيان، ويقيم معها علاقة عاطفية شهوانية ليكتشف أنها لم تكن سوى (كاثرين)، عشيقة خالد بن طوبال الفرنسية في «ذاكرة الجسد». أما «حياة» التي تأتي من الجزائر لمقابلة أخيها ناصر المقيم في ألمانيا هرباً من الجحيم الجزائري فقد تكشفت هي الأخرى عن «حياة» الأولى حبيبة زيان، وحبيبة خالد المصور في الوقت ذاته. تتحول «عابر سرير» برمتها إلى نوع من جرس الساعة الذي يتأرجح بين أبطال الرواية وأبطال الحياة، وتتبادل الشخصيات أماكنها في حال من الفانتازيا الغريبة والمحيرة.تطرح رواية «عابر سرير» إشكالية العلاقة بين الأنا والآخر، أو بين الشرق أو الغرب بالمفهوم المتداول. وهي إشكالية لم تكف الرواية العربية عن طرحها منذ «عصفور من الشرق» لتوفيق حكيم، و»الحي اللاتيني» لسهيل إدريس، و»موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح. وفي مجمل هذه الروايات تبدو العلاقة مع الغرب علاقة إشكالية يتجاذبها الحب والكراهية، الإعجاب والنفور، الانبهار والحذر، لكن اللافت في الأمر أن موضوعة الجنس تشكل دائماً مصدر التفوق والسطوة في مواجهة الآخر، فما يوحد هذه الروايات هو إثبات فحولة شرق أمام أنوثة الغرب. وفي هذه الرواية لا نجد صورةً للآخر سوى الآخر الصديق أو الحبيب، حيث انعدمت باقي صور الآخر داخل الرواية. وأحلام مستغانمي لا تخرج عن هذا المبدأ (الصديق - الحبيب) في العلاقة التي تقدمها بين «خالد» و»فرنسواز» – الموديل الفرنسية- حيث يعبر خالد عن هذا المبدأ بقوله:

«كان بيننا تواطؤ جسدي ما، يشع فينا تلك البهجة الثنائية، تلك السعادة السريَّة التي نمارسها من دون قيود… بشرعية الجنون» (الرواية: ص182). وظلت في المقابل علاقة «خالد» بـ «فرنسواز» علاقة جسديّةً صرفة، يقول خالد: «تعودنا مع مرور الزمن ألا نزعج بعضنا بالأسئلة ولا بالتساؤلات، في البدء تأقلمت بصعوبة على هذا النمط العاطفي الذي لا مكان فيه للغيرة ولا للامتلاك، ثم وجدت فيه حسنات كثيرة، أهمها الحرية.. وعدم الالتزام بشيء تجاه أحد، فلا شيء كان يجمعني مع هذه المرأة في النهاية سوى شهواتنا المشتركة وحبنا المشترك للفن». (الرواية: س207). 

إذاً نجد في رواية «عابر سرير»، نسقاً محورياً لهذه الثنائية الضديَّة، وينشأ هذا التحوير من إدخال عنصر ثالث، هو «فكرة العلاقة الوهميَّة بين عالمنا الإسلامي وبين الحضارة الغربيَّة الأوروبيَّة. إنَّ هذه العلاقة كما تبدو علاقة قائمة على وهم من جانبنا ومن جانبهم، والوهم يتعلق بمفهومنا عن أنفسنا أولاً، ثم ما نظن في علاقتنا بهم، ثم نظرتهم إلينا أيضا من ناحية وهمية». وهو ما يشير إليه «خالد» في قوله «لكاثرين». (الرواية: ص196). إذاً، نجد في رواية «عابر سرير» وجهاً غربياً واحداً تعاطى مع الذات الشرقية، ولا سيما شخصيتي (فرنسواز) و (خالد). مما أعطانا صورةً واحدةً عن الآخر الإيجابي، في حين لم نجد صورة الآخر السلبي في مجمل النص الروائي

لعابر سرير.