أرامــل الـزمــن

ثقافة 2023/06/13
...

   نبيل مملوك

لم يكن {أرامل الزمن} مجرّد عنوان قصيدة، بل فكرة تطور نفسها في مخيّلتي وتتموضع في حضن يوميّاتي، بدأت هذه المجموعة باعتذار إلى امرأة، تركتني فجأة بعد علاقة مجنونة طرحت حقها بالنمو علينا، فأصبحت أرملة الزمن الجميل والحاضر الوردي، ومن بعدها حاولت أن أسير على طريق التجربة المحفوف بالشوك والشوق.

فتعثرتُ بتجارب أخرى عاطفيّة، وزاد عدد الأرامل وكثرت أشكال "الموت" عند الزمن.

في هذه المجموعة مسعى لجعل اليوم وتدوينه شعرا، محاولة لجمع السرد بالمشهد بالإيجاز... وما ميّزه عن المجموعة السابقة "مشانق من لحية العتمة" عام 2022 أنّه ابتعد عن قضايا العامة وهرب نحو التفرّد ، أو محاكاة الفرد من جهة القلب والعاطفة ويظهر العقل في الكثير من القصائد على أنه شاشة كبرى أو مرآة تعكس ما يحصل أو ما يخرج من معجم العاطفة، نعم!

يطغى الحزن والأسى والفقد، وتلعب الأفعال الماضية نحويًّا وقواعديا الدور في جعل القصيدة تلتحف بالحنين والفقد، وهذا ما يمكننا اعتباره قاسما مشتركا مع المجموعة الأولى.

وحقيقة الأمر أن "أرامل الزمن " الصادرة حديثا عن دار لازورد 2023 أتت بعد فترة قصيرة من "مشانق من لحية العتمة"، وربّما عما قريب سيرى المتلقي المزيد والمزيد من المجموعات المتقاربة في تواريخ ولادتها وهذا ليس عيبًا أو حراما... على العكس، الشعر هو عمليّة تعلم وتعليم وما قاله الشاعر جورج شكور يوما :" علموا أبناءكم الشعر فالشعر روح الأمة" ليس بغريب أو بعبثيّ، فنحن كشعراء نتلقى نصوصنا على أنها ناقصة ونتعلم منها ألا نبحث عن الكمال أو المجد، والقارئ يعلمنا بملاحظته كذلك الهروب من المثاليّات والفردوس المتخيّل، وهنا نصل إلى قصديّة تكوّن المجموعة التي تطغى عليها القصائد ذات المقاطع القصيرة المتباعدة الموضوعات قليلا من بعضها البعض، لكنها في كل قصيدة تشكل "بورتريها موحدا" ذا وحدة عضويّة تدور في فلك قصديّ واحد، إلا أن القصائد الأخيرة التي أضيفت وكانت على شكل قطعة واحدة، فهي كناية عن بوح لم يعرف تدرّجًا أو توازنا أو حتى العروج نحو نقطة النهاية.

"أرامل الزمن" هي مجموعة مسالمة لا تبتغي العراك الفكري ولا الضجيج الجماعيّ، تبحث في شؤون القلب، انطلاقًا من المرأة كملهمة وثائرة على الجمود الزمني وبشكلها الثاني الأوضح الأكثر مباشرة المرأة التجربة، فالتجربة هي عمر الشاعر الحقيقي، وفي الشعر عكس الرواية القصيدة تختمر بسرعة الحساسية وحدة العراك مع الحياة، الشعر في أرامل الزمن أبٌ يفتح ذراعيه لكل ظرف وتركيب وشكل انساني... إن لم يكن الشعر عموما مساحة خضراء صافية، فسيغدو بالضرورة مجرّد علم رتيب يقتصر على معادلات لا نقاش فيها، ويجب تلقيها دون أي سجال أو تأويل أو تشكيك، والتشكيك خاصيّة تجلت في هذه النصوص عبر القلق، والقلق تجلى بدوره عبر تصوير التفاصيل بطريقة خاطفة تشبه التقاط الصورة ولحظة خروج الضوء بشكل خاطف من عدسة الكاميرا.

"أرامل الزمن" تجربة تحاول الإنسلاخ عما هو قديم وفي الوقت نفسه، تضحك بصوت عالٍ جدا بوجه كل شاعر أو ناقد أو قارئ مثقف يروّج لفكرة "بحث الشاعر عن صوته الشخصيّ"، لأن هذا المبدأ لن يجد اكتماله أبدًا في الصوت الشعريّ عموما، فالمتعلقات النصيّة موجودة والحس الإبداعيّ الخاص لكل أديب يكسرها كما يكسر الخمر بحدته عبر الماء المثلج أو الصودا.

والشعر إن لم يتكئ بشكل طفيف على ما سبقه يصبح كائنا أميّا لا يضمر الدهشة، ولا يرشح فنا ولا ينضج إيقاعًا والإيقاع الداخلي في هذه المجموعة لا يتوقف عن الطباق والسجع والتكرار... إلخ، بل ينزلق نحو هوّة التجارب السابقة يلوّح لها ويتابع الطريق ممهدا لمجموعات لاحقة... وإن الحب في أرامل الزمن مفقود وناقص، لكنه مختبئ في كهف ما ربّما الماضي ربّما المستقبل، هنا يأتي دور المتلقي في تحديد مكانه وجمعه بالمعنى والمبنى 

القرائي.

خلاصة الأمر، أرامل الزمن ليست مجلس عزاء شعريّ يواسي الدهر أو صاحب هذا الدهر هو عمليّة نقل للصورة بمختلف ظروفها ومراحل تكوينها، عسى أن تكون قد وصلت بعيدًا ضبابيّة المشاعر وتشويش القصد وازدحام التأويل، وأن تكون اللغة ملك الجميع، وان تظهر الأخطاء المطبعيّة، إن وجدت على أن أثر من محترف الكتابة، وربّما من محترف التعب... الكلمة للقارئ عسى أن تكون للمجموعة كلمة

منه.