غصن

ثقافة 2023/06/14
...

مآب عامر

ينسجُ العنكبوت بصمت بيته الدائري، فيتدلى من غصن الرمان بتمهل، يحاول بلوغ وريقة أسفله،  لكن الوريقة أبعد من أن يصل إليها. فيتراجع  متسلقا الخيط  إلى الغصن، لكنه لا يصل إذ يعمد الفلاح إلى قطعه، يشذّب أوراق النارنج، ثمّ يعود ويعري نبتة الجوري.. تتأمله فتاة داخل حديقتها.
الباب الخارجي للمنزل عملاقة، ثقيلة، لا تستطيع المرور عبرها، كانت تلعب وتتجول بين أشجار الحديقة الكبيرة والمليئة بالكثير من أنواع الأشجار، تحبّ استنشاق الرائحة التي تطلقها النباتات عند رشها بقطرات الماء، مثلما تبهرها رائحة جزّ العشب، تتلذّذ مستمتعة لساعات بمداعبة زهرة فم الأسد الحمراء.
تجذبها تورمات حنيّة اللون مائلة إلى الصفرة على جذع شجرة الأجاص، تحاول غرس أصابعها داخلها لكنها أقوى من أن تثقبه أناملها الرقيقة، تنجح في قلع بعضها ليسيل ما تحتها، تلاعب أصابعها السائل اللزج، تحاول ارجاع بعضها إلى الجذع وتلصقه وهي تبتسم.
تجد صعوبة بالغة في الوصول إلى شجرة التين. أوراقها، عالية وبعيدة، تتذكّر إن جدتها تمنع الاقتراب منها، لذا تحدوها رغبة عارمة في اختراق دفاعاتها بالغة الصعوبة.
ولكنه وقت التسوق اليومي في صباح ملئ بالعمل يتيح لها أن تنطر بخفة لتطمأن بعدم وجود أحد ما يمنعها من قطف ثمار التين، ومحاولة تذوقها أو تذوق المادة البيضاء التي تنزّ لحظة نزع الثمرة، هي قد تشبه الحليب الذي تكره رائحته، لكن هذه لا تشبهه، يعجبها تدفقه البطيء، تستمر بالقطف لترى أو تتذوق طعمها الثقيل اللاذع.
الشمس تهادن رأس الفلاح المتلفعة باليشماغ، وهو يدور بين شجرة وأخرى بسكاكينه الحادة، لكنها تحرق رأسها الصغير، إذ لايمنع شعرها المضفور  بكتر بدى أكبر منها حرارة الشمس.
 أسفل ظلال شجرة الزيتون، في يوم ما جلس يرتشف كأس الشاي الذي حضرته له الجدة،  كانت هي تقفز وتدور مكنها، أخبرها  إنه  يقطع الشجر ويشذبه لينضج بلا مرض، ولكي يعيش  طويلا  ويطرح  ثمارا  رائعة.
مرّة جلست أمامه، تمسك عصا تضارع قلم الرصاص بطولها وبدأت تنبش حفراً صغيرة  تبحث داخلها عن رقصات ديدان  مختبئة، رفعت بعصاها دودة الأرض.
قال لها وهو يناغم بين حركة يديه وكلماته: في العالم هناك أحجام كبيرة للديدان وأستطيع أن أريك أكبرها حجما، وأخرج من بين قدميه عضوه المنتصب، وتساءل هل رأيت دودة من قبل بهذا الحجم. رأرأت بعينها وقفزت الى الباحة  مقهقة وهي تبتعد عن الحديقة، وهي تصرخ بذهول: نعم لم أر بهذا الحجم.
أمسكت الغصن المقطوع، وبعد خلو الحديقة، كان الغصن أطول من قدميها الصغيرتين نحيفا وضعيفا، لوحت به بشموخ وابتسامة، ودارت كما يدور الفلاح، تقترب من شجرة على مهل تلسعها ثم تقفز إلى الأخرى تضرب أوراقها بعشوائية، تقتلع بعضها وتنتزع بعضها الآخر إلى النصف وتترك القلة القلية من الورق القريب من الأرض لبعدها عنه أو عدم ملاحظتها له.
اعتلت كنبة خشبية، وسط الحديقة، كانت ترتدي بنطال جينز أبيض، وتيشيرت زهري بلا أكمام مزين برسوم كارتونية. أخذت فجأة  بالصراخ والشتم أنزعاجها يزداد من دون معرفة السبب، أخذت حرارة الشمس العامودية المتعامدة على رأسها الصغير تشعرها بملل وضجر، ثم استسلمت   لنداء أنثوي  يبشر بموعد الغداء.