شكر حاجم الصالحي
أزعم ان عبد الحسين بريسم في مجموعته الشعرية ــ تاريخ الجنود المجهولين ــ قدّم لنا كقراء تنويعاً مضمونياً في عشرين نصاً تضمنته المجموعة هذه ، ويبدو انه أراد أن يضع القارئ في رحاب تجربته فقدّم هذا التنوع المضموني بأدواته المعرفية ــ لغة وتجارب يومية مستمدة من واقع عشناه في خضم سنوات أكلت منا أجمل أيامنا بحروبها والتباساتها ، ومن هنا جاءت معظم نصوصه معبرة صادقة مكتوية بوجع الغياب والتذكر وهذا ما سنلحظه عند قراءتنا المنتجة لنصوص مختارة من ــ تاريخ الجنود المجهولين ــ كنماذج تشير الى مهارة بريسم في الكشف عن هواجس ومخبوءات النفس البشرية وهي تعيش اجواء الحرب والهزائم والانتصارات التي تشير إليها .
وقبل المضي في نبش محتويات المجموعة واضاءة المتميز منها لابد من التنويه بلوحة الغلاف التي كانت مفتاحاً كاشفاً عن نصوص المجموعة ، فمنحوتة الفنان الكويتي المعروف سامي محمد كانت اختياراً موفقاً أغبط الشاعر ودار النشر على اختياره لكونه يتماهى مع مضامين أغلب النصوص بامتلاكه طاقة تعبيرية وتأويلية مثقلة بقوة الارادة الانسانية وشحنات التحدي لما يحيط بها من ظروف قاهرة .
تفصح عناوين نصوص الشاعر عن مضامينها المحتشدة بالأسى والتوجع ولنستعرض بعضها فنقرأ منها : سوف تنتهي الحرب ، إنزله نصراً يّرتل ايات الحمام ، تاريخ الجنود المجهولين ، سلفي للجنود الصغار مع الملائكة ، محتشد بالوطن وأعني عراق ، أغنية واحدة لا تكفي لضحايا سبايكر , هذه خيولنا وتلك نينوى ، جثث طافية على نهر الفرات ، انتخابات الشهداء , و...و ...و... وسأختار وفق ذائقتي نص (( سوف تنتهي الحرب )) مثالاً لمضامين نصوصه المشار إليها اعلاه ففي هذا النص يكثّف الشاعر رؤيته بلغة معبرة ذات دلالات وايحاءات تدين الحرب وتنتصر لدماء الضحايا / الشهداء , وهذا هو موقف الانسان المنسجم مع إنسانيته التواقة للسلام والحياة الآمنة الرغيدة ، يقول عبد الحسين بريسم في ( سوف تنتهي الحرب ) :
سوف تنتهي الحرب / ويعلنُ النصرُ / على الاعداء / ويأتي القائد العام / يعلنُ النصر/ ويرفع العلمُ / سوف تنتهي الحربُ / يعود الجنودُ / الى أمهاتهم / ومدنهم / أجساداً / بلا روح / سوف تنتهي الحربُ / فقط الشهداءُ / يبقون / هناك / يحرسون الحرب / حتى تعود من جديد / ....../ سوف تنتهي الحربُ / النساء في مقابر الجنود / ترتدي قمصانهم / ويتركون / عراة / في صورهم المعلقة / على القبور / .../ سوف تنتهي الحربُ ... ص7
نلحظ في هذا النص إصرار منتجه على انهاء الحرب بتكراره ( سوف تنتهي الحربُ) المستقبلية التي هي أمنية كل انسان محب للحياة , مستعرضاً من خلال نصه تفاصيل الوجع الانساني ومرارة الفقد والغياب , ولا أدري لِمَ كتب عبد الحسين بريسم نصه بهذا الشكل العمودي الذي لم يضف للنص مغزى ودلالة غير هدر مساحة البياض والإسراف في نثر الكلمات على مساحة كبيرة كان بإمكانه اختصارها الى النصف مؤدية ذات الغرض المقصود ... ولكن هكذا شعرنا الحديث / تفعيلة ونثراً / وهكذا هم صنّاعه على امتداد الكتابة ... ويكرر عبد الحسين بريسم رسم نصوصه بذات الاشكال التدوينية التي اقترفها على طول (( تاريخ الجنود المجهولين )) فهذا نصه الآخر ــ سلفي للجنود الصغار مع الملائكة لذكرى حرب مستمرة ــ ص20 ( لاحظوا طول العنوان !ـــ ) يأخذ مساره الآتي :
هؤلاء
الواقفون على الموت
يرقصون
ويرقصون المنايا
والأمنيات
صبية آمنوا
بالوطن
وكفروا بالرصاص
فزدناهم أجنحة
وجنات نعيمْ
وأسأل بمحبة ماذا سيتغير في التأثير والايصال لو كتب الصديق بريسم نصه بهذا الشكل :
هؤلاء الواقفون على الموت يرقصون
ويرقصون المنايا والأمنيات
صبية آمنوا بالوطن وكفروا بالرصاص
فزدناهم اجنحة وجنات نعيمْ
وفي الختام أتمنى أن اكون قد استطعت عرض هذه المجموعة وتعريف القارئ بمبدعها الذي نشر قصائده منذ عام 1984 واصدر ديوانه الاول قصائد البريسم / 2001 وما زال يواكب الكتابة واصدار المجاميع التي تؤكد مهارته وقدرته على إنتاج نصوص تفصح عن ثراء معرفي بإدوات سليمة تشير الى عافية شعرنا العراقي الراهن .