ملاك أشرف
وحينَ لحق بهم ليخبرهم بنفسه قرروا التّظاهر بعدم معرفته والمضي قدمًا من دونه.
سوف يلومكَ بعضٌ منهم على مَن أهديتَ لهُ خاتمًا
الذي جلستَ معهُ في مقهى لطيف
سوف يشعر الكثير بالملل من علاقتِكَ
وفي النّهايةِ يتركونكَ وأعينهم على قارعةِ الطّريق
لن تشتكي منهُم ولن تلحقَهم كي تقولَ:
إني أردُّ دينًا قديمًا
اِبتسمتُ لأحدهم واِلتصقَ الدّينُ بي!
لا مُبرر أو صياغة لوهم الآخرين
حينما ظنَّوا أنكَ تحبّ الجليسَ ثُمَّ ابتسمت لهُ عن قصدٍ
فراحَ يعطيكَ باقة الورد الذّابلة من شدّةِ تأخركَ
مَن يستطيع أن يروي لهُم قصّة الدّين السّاذجة؟
مَن سيخبرُهم عن خانةِ السّراب
التي تحولت إلى حقيقةٍ مُفاجئة؟
هل يستمعونَ إليكَ إن طاردتهم من الوهلةِ الأولى
أم تبقى نظراتهم عالقةً في اللّحظاتِ الضدّية الحاقدة
خشية أن يواجهوا سلسلة الأخطاء بالاعترافِ بِكَ؟
عندما لا تكون الحقيقةُ بازغةً
يتحولُ الكذبُ في عين المرء إلى واقعٍ
ذنبكَ أنكَ تتركُ الأكاذيبَ تستحيلُ إلى حقائقَ
ذنبكَ أنكَ بركةُ ماءٍ نقيّة لا تعلم متى تجفّ وتظهر
أو متى تكشفُ أوقات المُقابل،
ذلكَ الذي لا يعرف كيفيّة أن يذوبَ الإنسانُ يومًا
ويتجمعُ في مكانٍ واحد حتّى تضيقَ مياهُ العالم
لِيصبحَ مُحيطًا ساكنًا، خائفًا من التّموجِ الغامض لاحقًا.
أنتَ المُحيطُ وهُم اليابسة التي لا تستحقُّ
أن تتحرّكَ أزاءها بغيةَ ترطيبها وإزالة تصحرها الشّائن
عليكَ أن تدركَ هذا رغمَ استحالة الإرادة
رغمَ اضمحلال آليَّة التّقدم المُؤطّرة بالإنارةِ المُنْعِشة،
لا تنسَ الوقتَ وهو صيفٌ
لا تنسَ الملاك وهو يتلوَّى تحتَ الشّموس
فذات يومٍ عرفتُكَ شاعرًا، تراقبُكَ النّجوم
عرفتُكَ شيوعيًا، تهجو المنافي والقيود
والآن أقولُ بعدَ التّحولِ:
لن تلحقَهم وأنتَ بركةُ ماءٍ
يجتاحُها السُّكوت!
يا أيُّها النديُّ الوديعُ، إلى متى سيصيبنا الويل؟
وإلى متى تنغرسُ بذور الحزن المُلوّثة بالقربِ منّا؟
آه، إذن الويل لنا وللحالِ المعطوب
يا أيُّها الهادئُ، المستديمة في داخلكِ الجروح.
أنا هُناك أجلسُ مُنطفئةً على شجرةِ آهاتي
أنا هُناك كزنبقٍ مشؤوم يرتجفُ
زنبق خريفيّ يرمقُ شوقكَ المحموم.
لن تحدّقَ في أحدُهم، لن تأتي إلى أحدِنا
لأنّكَ بركةُ ماءٍ مُمتلئة بانعكاس الورود
ما زالت تتحسّسُ من الأشواك المُنعكسة!
فاتني المجيء لآخرَ شيوعيّ
وقد فاتني الحفاظ على صدى صوتِكَ المُتهشّم
اللّعنة على روحي المُتورّمة من السّموم
يا سنواتُ لا تنثريني كدمٍ مُتطايرٍ
غاضب
لعلّي أنبتُ بجانبِ مَن أحبّ ولا أموت،
لعلّي أستحيلُ جدولَ ماءٍ صغيرٍ
يجري بغربةٍ مثل الشّيوعيين
ولا أواجه خسارة ختاميّة تبعثُني إلى القبرِ
أوه، رُبَّما هذا نصيبي:
العدم السّاخر المُتكبر
ليست الولادة المُلوّنة التي تغني لي.
ذات مرَّةٍ تمايلتُ لاقتلعَ بسهولةٍ مع هبوب الرّيح
أخذت الرّيحُ لوني عنوةً حتّى لمستني الظُّلمة
لَمْ يقتلع أيّ غصنٍ أمامي؛
كي أنسى كيف يعبث الآخرون بي
ولَمْ أتمايل كفايةً لأشعرَ بعذوبتِكَ
تلكَ الرّيح أحد الوجوه التي أخرجتنا من العالم
صرتَ ماءً وأنا أثر زهور بينَ أقدام المارّة
حذارِ أن أكونَ ثمرةً نهاريّة للطيور
حذارِ أن أنمو في غربةِ الشّوارع النّادبة
بعيدًا عن فيضِ نقائِكَ المعلوم
لا أعرف أبدًا ما إذا كانَ حالُنا
سوف يزيحُ ضبابهُ أم يدوم..