سيالاندز أوده: أ ف ب
في الدنمارك التي باتت العنوان الأبرز عالمياً للفن المطبخي، تتنافس المطاعم في ابتكار أطباق جريئة تقوم مثلاً على أرجل الدجاج أو أجنحة الفراشات أو المنتجات المحلية البسيطة، سعياً إلى السير على خطى “نوما” الذي نال مرات عدة جائزة أفضل مطعم في العالم.
فمطعم “ألكيميست” (Alchemist) الذي يقع في في حوض بناء سفن سابق داخل ما كان منطقة صناعية، يحوّل الطعام ذهباً من خلال توفير “تجربة شاملة” لزبائنه الأثرياء في مقابل (712 دولاراً) لتشكيلته الفريدة من الأطباق. ويشرح الشيف الشاب راسموس مونك أن “الطموح هو تغيير العالم من خلال الفن المطبخي ومحاولة توفير تجربة غامرة (...) من خلال إدخال مجالات فنية مختلفة في عالم الطهو”.
وهذه التجربة الغامرة تستقطب كثراً، إذ يبلغ عدد المسجلين على قائمة الانتظار الخاصة بالمطعم نحو عشرة آلاف، علماً أن يستوعب 50 يومياً. ويدخل الزبون من الباب البرونزي الثقيل لينغمس في جو من المؤثرات الموسيقية الضوئية وعروض الرقص المعاصر.. وبعد تناول المقبلات في إحدى الصالات، ينتقل الزبون إلى “القبة” حيث تُقدّم إليه الوجبة الرئيسة، بينما يستمتع بمناظر تحت الماء يعكّر جمالها التلوث البلاستيكي، ثم تتوالى على الشاشة مقتطفات مثيرة للقلق من نشرات الأخبار التلفزيونية.
ويوضع الكافيار مثلاً في بؤبؤ عين اصطناعية أو بلاستيكية مصنوعة من مرق سمك القد المجفف، إذ أن دفع الزائر إلى التفكير أكثر أهمية من إرضائه بالمذاق. ويقول مونك “اللحظة المفضلة لدي هي عندما ينطلق النقاش بين الناس، ويبدأ تواصلهم مع الطعام والتجارب”.
وإذا كان “نوما” الذي فاز مرات عدة بلقب أفضل مطعم في العالم وهو أحد مطعمين حائزين ثلاث نجوم “ميشلان” سيغلق أبوابه في نهاية سنة 2024 لتجديد مفهومه كمختبر مطبخي، فإنَّ الدنمارك تعتمد على عدد من المطاعم للاستمرار في جذب السياح.
ويتغير المشهد كلياً على بعد مئة كيلومتر إلى الغرب من كوبنهاغن.
هناك، أقام نجم مطبخي دنماركي آخر هو كلاوس هنريكسن مطعمه “موتا” في الآونة الأخيرة، في مصح عقلي سابق.
ورغم الهدوء السائد، لا يتردد هنريكسن في أن يُقدِم في هذا المكان على “الكثير من الأمور المجنونة”، على ما يقول مازحاً. فوسط إطار طبيعي غنيّ، وبين الفطر والهليون والأعشاب البحرية وسمك النازلي، يستمد الشيف الأربعيني من بيئته المباشرة ابتكاراته المطبخية. ويقول الطاهي “قبل 20 عاماً، كنا نعدّ الكثير من المأكولات الفرنسية التقليدية والإيطالية (...)، وأهملنا منتجاتنا الخاصة”.
وإعادة اكتشاف النكهات الاسكندنافية هذه بمبادرة من نجم “نوما” الشيف رينيه ريدزيبي، أدّت من خلال التركيز على الأطباق المحلية، تجديد المطبخ الاسكندنافي.
ويشكل ما يقدمه من مطعمه حافزاً لزيارة كوبنهاغن لنحو 40 في المئة من السياح الأجانب.
بالإضافة إلى وضعه الدنمارك على خريطة المطبخ الراقية، اجتذب “نوما” الطهاة الشباب من كل أنحاء العالم الذين اختاروا الاستقرار في الدولة الاسكندنافية الصغيرة.
وبدلاً من البطاطا المسلوقة واللحم المغمّس بصلصة بنية اللون، حلّت أطباق فاخرة مزيّنة بالتوت الاسكندنافي والزهور القابلة للأكل.
وتروي طاهية الحلويات السابقة في “نوما” لويز بانون أن الفرصة أتيحت لها لمواكبة تطور المطعم الشهير. وتضيف “كان المهتمون (...) يأتون من كل أنحاء العالم لتناول الطعام هناك”.