عبد الكريم كاصد: هكذا فجأةً يُصبحُ الجلَّادُ ضحيَّةً والضحيَّةُ جلَّاداً في العراق الجديد {3-2}

ثقافة 2023/06/19
...

  كريم شعلان

سبق وأن أشرت إلى كتاب - رهان الستينات، نقد البيان الشعري- للشاعر عبد الـكريم كاصد، حيث نبّهت لأهميّة هذا الكتاب وضرورة التوقف عنده، لما يطرحه من قضايا اعتبرها خطيرة وبالغة الأهميّة. تكمن أهميّة هذا الكتاب في إيغاله وتفكيكه لأهم بيان شعري ظهر خلال مرحلة الشعر العراقي في القرن الماضي، وأقول: أهم بيان، ليس لكونه مادة فاعلة أو إضافة إيجابيّة مساهمة في تطوير الشعرية العراقيّة، بل لكون المرحلة تلك كانت في صراع وتجاذب بين الأجيال في العراق من جانب وبين شعراء المناطق العربيّة الأخرى من جانب آخر، لذا كان البيان محاولة لسد حاجة أو فراغ كان يعاني منها المشهد الشعري العربي لتداخل والتباسات سادت الشعرية العربيّة بعد مرحلة الرواد. لكن السؤال هنا: هل حقق هذا البيان مبتغاه، أو ما يرتضيه الواقع حينها؟ هذا ما يقوم بالإجابة عنه الشاعر عبد الكريم كاصد.  هذا اللقاء أو الحوار مع الشاعر والمترجم كريم كاصد هو الجزء الثاني الذي يسلط الضوء على النوايا وجعل الشكوك في مرحلة اليقين تجاه كتابه «رهان الستينات، نقد البيان الشعري».

س3 هل يمكن ذكر واحدة من هذه الوقائع؟


شهادة الشاعر والباحث السوريّ بيان صفدي المرسلة إلى الصديق القاص إبراهيم أحمد والمنشورة في صفحة إبراهيم، يتحدث فيها عن سرقة سامي مهدي لكتاب مختارات جاك بريفير الذي ترجمه كامل عويد العامري:

يقول بيان صفدي الذي أقام في العراق ما بين 1977 و 1983 في شهادته:

«هذي شهادة قد تفيد، فقد عرفت سامي مهدي في جلسات البرلمان، لكن نفرت من نرجسيته وطريقة الحديث عن الشعراء، وخاصة السيَّاب، وكان وقتها رئيس تحرير الأقلام، ثم ذهب ملحقاً ثقافياً إلى فرنسا، فيأتي في أشهر متباعدة، وكلانا متوجس من الآخر، كنت أعلم من عديدين أنه وراء كثير من العداوات والتناحرات في الوسط الثقافي، ولمع نجمه في شعر فج عن قادسية صدام وسعدي يوسف والبعث إلخ. وكان يُباهي بأنّه في الجيش الشعبي، وعلمت أنه فاعل أساسي في استحداث منتدى الأدباء الشباب كبديل سياسي لاتحاد الأدباء سلطويَّاً، فاحتضن نجوم الشعراء الحداثيين كزاهر الجيزاني وفاروق يوسف وخزعل الماجدي وفيصل جاسم وسلام الواسطي ومحمد رضا مبارك وغيرهم. وأسوأ ما عرفته وقتها أنه كان يحرّض رِعاع البعث ثقافياً للاصطدام باليساريين في اتحاد الأدباء قبل انفضاض الجبهة وبعدها بقليل. وأغرب ما عرفته ما حدثني به الأديب الصديق كامل عويد العامري من أن سامي مهدي سطا على ترجمة العامري لبريفير بعد أن تسلّم مديرية الشؤون الثقافية التي قدم لها العامري ترجمته!، وللمصادفة العجيبة كان العامري قد أعطاني ترجمته لتدقيقها لغوياً. مع كل هذا أنا مؤمن أنَّ سامي مهدي شاعر جيد، وباحث أدبي لكنه رمز لمثقف السلطة الدكتاتورية بامتياز، وكان أحد جلاوزة صدام في سلوكه والكثير من نتاجه» (هنا ينتهي حديث بيان صفدي). 

إنّني أتساءل هل هناك ما هو أشدّ إدانة من السطو على جهد الآخر، مستغلّاً وضعَه السلطويّ المهدِّد إن حدث التشهير بهذا السطو، من قبل الآخر الضحية. أهذه الشهادة مجرد توهم وافتراض أيضًا؟

يعلّق «صلاح نصراوي» أحد الموظفين في وزارة الإعلام على شهادة بيان صفدي في صفحة الصديق إبراهيم أحمد أيضًا بما يلي:

«موضوع ترجمة بريفير حلّت لديَّ لغزاً كبيراً كبيراً جداً... حين عُيِّنَ سامي مديرا للمركز الثقافي في باريس كنت أعمل في وزارة الاعلام وفي قسم الملحقيات الصحفيّة الذي يشرف على الدوائر الصحفيّة والمراكز الثقافيّة في الخارج الذي كان مديره كاظم جواد الشاعر المعروف، وجرى بيني وبين كاظم حيث نحن الاثنين خارج الدائرة البعثيّة الجهنميَّة حوار كيف يبعثون من لا يعرف كلمة فرنسية واحدة إلى باريس كي يقوم بمهمة مثل هذه، وقلت لكاظم: عليه أن يثير القضية مع الوزير سعد قاسم حمودي لأنَّ تلك جزء من مسؤوليته، وكان أن فعل ذلك، وجاء الجواب بعد فترة بقرار أن يتم ارساله إلى دورة لتعلم اللغة الفرنسية في مدينة غرونبيل (Grenoble)  لمدة ستة أشهر، فكان أن ضحكت مع كاظم بأن من يتخرّج من كلية اللغات بعد أربع سنوات لا يعرفون أن يسألوا، أي باص أركب للباب الشرقي باللغة التي درسوها فكيف سيدير مركزا ثقافيا في 6 أشهر... حين قرأت ترجتمه لبريفير شككت بكل الأمر. تحياتي”.

لقد وصل الحمق بالآخرين المدافعين عن سامي مهدي إلى إلغاء ما هو واقع، وتثبيت ما هو متوهم، في واقع عراقيّ هو الوهم ذاته.. واقع يصح القول عنه إنّه واقع هيجليّ يقف على رأسه، ‏ولن يقف على قدميه، ربّما، إلّا بعد أجيال وأجيال من الكذب المعلن الذي ينطق به أبطال هذا الواقع الوهميّ. لم يكتفِ البعض بإنكار واقعة الساعة، بل ذهب به الغباء والعمى المتحكّم إلى إنكار حتى رحلتي عبر الصحراء التي يعرف بها الجميع والتي كتبتُ عنها، مثلما كتب عنها أخي ورفيقي في الرحلة الشاعر مهدي محمد علي عشرات النصوص بتفاصيلها، ووقائعها الغريبة، وشخوصها، وشهودها من الناس الأحياء سواء من ودعونا في العراق أو من استقبلونا في الكويت وفتحوا لنا أبوابهم وقلوبهم. 

هكذا فجأة يصبح الجلاد ضحية، والضحية جلاداً في العراق الجديد؟

أليس في هذه المفارقة الساخرة نبوءة بانهيار وشيك، وعلامة على خراب مستحكم لن تنفع معه كل تعاويذ الشعارات الكاذبة، حتى وإن صدقت لأن من ينطق بها هو الخراب نفسه؟

كيف نفسّر أن بعض من أنكروا حدوث مثل هذه الوقائع لم يكونوا رفاق الجلّادين وحدهم، بل رفاق الضحية الذي استلبت ساعته في لحظة انتصار موهومة لم تدم كثيرًا، ليعقبها انتصار طويل موهوم أيضًا انتهى بالعراق إلى خراب لن يجتازه إلا كمن يجتاز التيه في صحراء تمتدّ.

لو كنا أصحاب أحقاد وثأر لما كتبنا الوقائع التي اضطرتنا الأحداث إلى كتابتها بعد ثلاثين عاما من حدوثها، وبعد خمسين عامًا إثر طلب مجلةِ “عالم الكتاب” الشهادةَ عن مرحلة الستينات وبحضور بعض فاعليها الذين لم ينطقوا بحرف واحد، وشهودها الأحياء، غير أن عشرات الاعوام من الكذب الصريح لن يتم محوها بأعوام هي أشد قتامة مما قبلها. 

لماذا الافتراء على سامي مهدي وليس بيني وبينه ما يستدعي ذلك على الإطلاق، وحتى لو بُرِئَ فيكف نُبَرِّئُ نظامًا همجيّا هو جزءٌ لصيقٌ به، لم يتردد في اقتراف جرائمه بحق رفاقه علناً حتى في وسائل إعلامه.

ما حاجتي إلى كل ذلك وأنا من فضحت مشروعه عندما كان هو في قمة السلطة بفضحي بيانه العاثر الذي لم يكتب منه حرفًا واحدًا، وإن ادّعى أحد المدافعين عنه أنّه كاتب البيان وهذه من مساخر البعثيين وأوهامهم حتى في ما هو ليس مدعاة للفخر، وتكذيب صفيق لما كتبه فاضل العزاوي صراحة حين قال في كتابه «الروح الحيّة»: ولكن المجلة حملت طابعي الخاص من تصميم المجلة وتقسيم المواد وإدخال الرسم وحتى كتابة التقارير حول تطورات الشعر في العالم وقيامي بترجمة «البيان السوريالي» وحتى من الناحية الإدارية التي... إلخ. 

ما حاجتي إلى ذلك وقد سبق أن فضحتُ افتراءاته العديدة في كتابه عن رامبو بالرجوع إلى عشرات المصادر في اللغات العربية والفرنسية والإنكليزية لأثبت عدم معرفته برامبو، وبالشعر الفرنسيّ، وحنقه على كل ما هو يساريّ، أو متمرّد، أو حقيقيّ.

أتساءل أيضًا إذا كان الجميع أبرياء منْ كان إذنْ يدير وسائل الإعلام في ذلك الزمن الرهيب، أليسوا هم القائمون الآن في وسائل السلطة الحالية التي يشتمونها سرًّا وهي نقيضهم وشبيههم، ويخدمونها علنًا هؤلاء المشطورون كشعرهم العمودي، وقوافيهم الوقورة، وغبائهم المستحكم. 

كلما خرجوا إلى الأضواء ازدادوا عتمة هؤلاء المظلمون المكشوفون رغم كل ظلامهم، اللصوص لصوص المناصب والترجمات وما خفي من سرقات معلنة. 


س4 كيف ترى إلى بعض الكتابات التي تناولت شعر سامي مهدي؟


لعلّ ما استوقفني أن الكثير ممن تناولوا شعر سامي مهدي لا يدركون ما يكتبون لأنّ ما يهدفون إليه ليس حقيقة الآخر، ولا حقيقة الشعر، بل هذا التوازن الهش الذي يسود مجتمعنا العراقيّ بأسره سلطةً وشعبًا، لإرضاء مجموعٍ ليس هو بالمجموع ولا بالمفرد على الإطلاق، ولإرضاء ذواتهم بإضفاء موضوعية مفقودة، ولا أقول كاذبة، وإلا فما معنى ما يقوله «علي بدر» عن سامي مهدي في مقالته الأولى عن سامي المنشورة في صفحته: «لم يكن شاعراً قريبًا من السلطة فقط إنما شاعر سلطة، صحيح هو لم يكتب الشعر السياسي، بل إن موضوعة الحرية لم تقلقه، موضوعة بطش السلطة لم تقلقه. كانت موضوعة الوجود بحسب شعره هي التي تقلقه، فكرة الزوال 1979 التي كرس لها ديواناً كاملاً، الاغتراب كما في ديوانه سعادة عوليس 1987، أو غموض الكائن التي سادت جميع شعره، وهو في واقع الأمر تهرب من أي رأي بالسلطة وليست ميتافيزيقيا مخلصة».

هذا القول ينقضه ما يقوله في مقالته هذه بعد سطر واحد:

«لم يكن سامي مهدي شاعراً رديئاً، ولكن شعره يفتقر للجذوة، يفتقر للروح، شعره مكتوب ببراعة لكنه مصنوع».

ثم ينقضه ثانية بما ورد في مقاله اللاحق في صفحته التي يقول فيها:

«سامي مهدي شاعر يفتقر للخيال، أفكاره الفلسفية تقترب من السذاجة، قوافيه ركيكة إلى حد الملل. تقرأ قصائده وتنساها لا يبقى في ذهنك بيت واحد مما كتب. لم أسمع بحياتي شخصاً استشهد بسطر واحد لسامي مهدي».

أثمة رابط أو «ربّاط» (كما نقول نحن العراقيين) بين هذه الأقوال؟

سأتوقف عند عبارته «صحيح هو لم يكتب الشعر السياسي» وأتساءل أين هو الصحيح في العشرات من قصائده الهاجية. 

ماذا يسمي علي بدر هذه القصائد: اسمه الوطن، تلميذ، الشهيد يكتب إلى امرأته، الثمن، خندقان، أمجاد، استحقاق (وفي هذه القصيدة الأخيرة أي «استحاق» يهجو سامي مهدي الشيوعيين وكل المنفيين بأسوأ الألفاظ ويدعو إلى ضربهم بالحذاء وهم يُعدون بالملايين).

ويبدو أن الحذاء ظل يتبعه في الكثير من قصائده الهجائية كقصيدته «اكتشافات غورباتشوف»:

لبس حذاء لينين على عجل

ولم يكتشف أنه كبير عليه 

إلا بعد أن غاص في الوحل.

وهو حتى عندما يتكلم عن السماء الصافية لاحظوا ما يقول:

وجنود جرحى

لا بد لهم من بعض أنين مكتوم.

(أي أنّ الضرورة أو الطبيعة تقتضي ذلك، في عرف الشاعر، فلا حكم ولا عواطف زائدة أيها القارئ وحتى أنت أيها الشاعر الذي تكتب القصيدة مخاطباً نفسه).

ويختمها وهي القصيدة القصيرة:

كان صديقي يحفن من رمل الساتر 

ويذريه حولي

 ويقوم.

 أين وجد علي بدر «موضوعة الوجود» التي أقلقت سامي مهدي في أي قصيدة من ديوان الزوال؟ 

أين كل ذلك من شعر سامي مهدي الهجّاء العنيف؟

موضوعة الوجود وقلق الشاعر هل يمكن أن يُنسبا لشاعر مثل سامي مهدي، وهما يتطلبان إحساسًا عميقاً بالكون، لا نجده حتى في الشعر العالمي إلا في شعراء قليلين مثل ريلكه في قصائده العظيمة كـقصيدة «أورفيوس، أوريديس، هرمس»، ومراثيه ولا سيما مرثيته الثامنة، وفي شعرنا العربي في شعراء قليلين أيضًا من بينهم ذو الرمة وأبو العلاء المعري. 

أين منه هذه المواصفات التي أتيت بها صديقي العزيز لتلصقها بشاعر يفتقر إلى الخيال، وافكاره ساذجة، وقوافيه ركيكة حدّ الملل كما كتبتَ أنت بنفسك.

أين تجسدت موضوعة الوجود؟

وأين غموض الكائن؟ 

في قصيدة «التلميذ» ص 183 المجلد الأول، الذي يقول عن الوطن:

حين قال المعلم «قم» 

قام طفل

 وخط على اللوح «عاش العراق».

أم في «العائلة» ص 185 المجلد الأول، وكان الأولى أن يسميها: قائدٌ في نقابته:

لقد انتظرتْ زمنا أن ترى بكرَها رجلًا

وهو اليوم أكبر مما تمنتْ له

 قائد في نقابته.

عجبا لروائي يكتب عن الشعر لا يرى الشعر السياسي في عشرات القصائد ويرى موضوعة الوجود والميتافيزقيا، مخلصة أو غير مخلصة، في ما هو غير موجود!

أحقّا لم يقرأ علي بدر كل هذه القصائد السياسية وهي بالعشرات إن لم نقل بالمئات ليصل إلى مقولته الفاقعة التي أخرست القرّاء لسطوعها، وهو الذي عاش الاحتدامات التي شهدها العراق قبل مغادرته في تسعينات القرن الماضي:

«صحيح أنه لم يكتب الشعر السياسي».

سأقول أنا أيضًا أنه لم يكتب الشعر السياسي، ولكن لا بالمعنى الذي فهمه علي بدر أو سامي مهدي وإنما الشعر السياسي كما يكتبه الشعراء العظام: شكسبير، أودن، ريتسوس، كفافي، بابلو نيرودا، السياب، محمود درويش، لا كما يكتبه سامي في قصائد هجائية تمتلئ بأحذيته العفنة.

أسال علي بدر ثانية هل صار الشعر السياسي سُبّة في بلدان كل ما فيها سياسي. لقد استحال الدين نفسه سياسة، في بلداننا، لا في الأماكن الضيقة، والإعلام، والساحات حسب، بل في بيوتنا وغرفنا كأشباح تجوس بين الأحياء، إنْ لم يكن الأحياء أنفسهم وقد استحالوا أشباحاً يخيفون بعضهم بعضًا.

ما كتبتَه يا صديقي عليّ تزكية من دون أن تدري، وسبب ذلك أن ذهنك ليس مشغولا بالأفكار ولا الحقائق، بل بالتظاهر والأسلوب المزوّق الذي لا يعنيه غير الشطارة والمباهاة.

ثم ما قصة هذه الموضوعة، موضوعة الوجود التي يرددها بعض الكتّاب والنقاد كلما ورد شعر سامي مهدي، فها هو ناقد آخر هو الدكتور ضياء خضير يرى في كتابه «شعر الواقع وشعر الكلمات» أن في شعر سامي مهدي: «دائما ظلال للمعنى أو (معنى المعنى) تطل من بين السطور وتميط اللثام (لاحظوا تميط اللثام) عن هذا القلق الميتافيزيقي العميق» ثم يعقبها بمدائح كالمفزوع فيرفع نغمته صائحاً: « إنه يجب القول إن قلق سامي مهدي وحزنه لا يفزعنا» ولا ندري ما محل: «يجب القول» في الجملة ولماذا هو يمكن أن يفزعنا. وفي الحقيقة ليس ثمة فزع غير فزع ضياء خضير، الذي يمتد وكأنه كابوس طويل حين يتحدث عن شعر حميد سعيد، في الكتاب نفسه، مطنبًا في المديح هلعًا، يتنقل من مديح إلى آخر، فقصيدة حميد سعيد تنطوي على كل السمات المميزة للقصيدة الرومانسية وهي: الاحتجاج، والتمرد، والدعوة إلى تغيير الواقع، والعودة المتكررة إلى الماضي، واللجوء إلى الطبيعة، واعتماد أسلوب التعبير عن الذات، ومحاولة تجديد اللغة الشعرية « ص98 ولم ينقصه إلا أن يضيف مصطلح «الرومانسية الفولاذية» الشائع في أدب النازيين أيام غوبلز.

ثم يواصل التعداد.. تعداد التراكم، الذي هو هدم في جوهره، وكأنه مطارد في متاهة للشعر وفي هذيان متواصل، وليته اكتفى بهذه الأقانيم الثلاثة: الرومانسية، والحرية الباطنية، والصوفية في شعر حميد سعيد، بل تراه يهرول ويستنجد ويصيح معلنًا ما أعلنه علي بدر وما أعلنه هو أيضًا عن شعر سامي مهدي: «أن شعر حميد يعكس قلقا وجوديا متزايدًا « ص106

ولو انتهى عند هذا لأراح واستراح، ولكنه سيفجر قنبلته الميتافيزيقية، هي الأخرى، أن حميد سعيد شاعر «تكعيبيّ»، وأقسم أن هذا التعبير له وليس لي أبدًا، فهو يقول: وقبل أن نفرغ من الحديث عن نص حميد سعيد التكعيبي سيكون من اللازم.. إلخ ص110، أي أنه لم يكتف حتى بـ «التكعيبيّ» ليعدد مآثر أخرى ينسبها إلى حميد سعيد مثل «وحميد سعيد كما يضيف سامي مهدي هو الذي جعل التحرر من القافية ظاهرة واضحة ملموسة».

أليس الأولى أن ننصب ضياء خضير ناقدًا تكعيبيّا وليس حميد سعيد الذي كانت تربطني به علاقة طيبة في السبعينات والذي أعتقد أن تعابير خرقاء كهذه لن تسرّهُ أبدًا. إنّها شآبيب ناريّة لا يستسيغها أي شاعر لديه إحساس بسيط بالشعر. إنه تهريج لا قيمة له على الإطلاق.