باسم عبد الحميد حمودي
شاهدتُ أول عرض لفن السلويت أدته الفنانة التشكيلية القاهرية فتنة مؤمن في معرض بغداد الدولي عام 1961، وكانت تستخدم المقص برشاقة على الورق الأسود لتشكل ملامح الإنسان الذي يقف أمامها لتجسده على نحو مدهش وبتفاصيل الوجه وجزء من الجسم، وقد حظيت بصورة منها لا تزال لديَّ.
ويُسمّى فنُّ السلويت أيضا فنُّ التصوير التضادي لاعتماده الظل الإنساني أو سواه، بدل الشكل العادي لفن البورتريه، وقد انتشر هذا الفن الذي يعتمد براعة الفنان التشكيلي على مهارة اليد ودقة الأداء وبراعة التجسيد اللحظي، إذ يقوم الرسّام بنسج الصورة بالمقص والموديل واقف أمامه وبدقائق معدودة!
انتشر هذا النوع من الأداء التشكيلي المبهر في أوربا منذ عام 1807 لقلة تكلفته التي لاتعدو أن تكون مقصاً يدويَّاً حادَّاً وأوراقاً سود يقطعها الفنان ويشكّل منها البورتريت الذي يريد أمام الشخصية- الموديل الذي أمامه.
اختلف مؤرخو الفن التشكيلي في سبب تسميته، فمنهم من يقول إن التسمية جاءت سخرية من اسم وزير مالية فرنسا المتشدد Ernest Silh euett الذي كان ينتقد بشدة نبلاء القصر الملكي وأمثالهم وأمراء البلاط الفرنسي زمن الأمبراطورية لبذخهم وصرفهم أموالا طائلة لاقتناء اللوحات التشكيليَّة التي تصور شخصياتهم وزوجاتهم ومحظياتهم والمرسومة بالألوان وبأحجام كبيرة لقاء مبالغ كبيرة أرهقت ميزانية البلاط
الفرنسي.
بعض المؤرخين يقولون إنَّ الوزير (سيلويت) كان ينتقد الإسراف وهو الماهر في رسم البورتريه بالمقص على ورق خشن أسمر، وأن مهارته دفعت التشكيليين إلى تقليده وممارسة هذا الفن الذي أطلقوا عليه اسم الوزير، فيما يعتقد آخرون أن إطلاق تسمية السلويت على هذا النوع من فن البورتريت جاء سخرية من هذا الوزير الدوانيقي المتشدد في مجال الصرف.
المهم أنّ هذا الفن القليل الكلفة الذي يدل على مهارة الرسام (إذ لا ألوان ولا أستيوهات رسم) قد انتشر في فرنسا وأنحاء أوروبا منذ ذلك التاريخ وانتقل الى اليابان وأمريكا الجنوبية والعالم العربي عن طريق طلبة الفن الذين يدرسون في فرنسا منذ ذلك التاريخ.
من أشهر فناني السلويت المهمين الفرنسي وليم كنتربرج واليابانية كومييابا شينا والكندية كريستي مالكون والامريكية
كارا والكر.
تعلّمت فتنة مؤمن رسم السلويت – الرسم بالمقص في بوزار باريس، وقد حدث أن شاهد الفنان التشكيلي محمد القاضي الفنانة مؤمن ترسم بالمقص في أحد معارض القاهرة، فقرر ترك الريشة واللون منصرفا إلى تعلّم الرسم بالمقص والورق الأسود فصنع بورتريهات مبهرة لكبار المفكرين والفنانين واشتهر بهذا الفن الذي يتطلب النجاح فيه السرعة
والصبر.
في العراق أبلغني الفنان صلاح عباس أنَّ الفنان الرائد جواد سليم كان يذهب مع الفنان التشكيلي غالب الناهي إلى مدرسة الراهبات في الباب الشرقي مجاور جسر الملكة عالية (جسر الجمهوريَّة اليوم) ليقابل المدرسات وطلبتهن ويرسم لبعضهن على ورق مصقول وبحجم صغير بعض التشكيلات السحريَّة التي يصوغ على أساسها التشكيلي الصائغ الفنان الناهي قلائد وحلقات أذن وأسورة من الفضة، لكني أجد أن هذا اللون من العمل الفني لا يمت إلى فن السلويت بقدر تجسيده لتشكيلات فنية اعتمدت على الورق المرسوم.
مازال فن السلويت يثير الانتباه وتقام له معارض مهمة في أنحاء العالم ولا يمارس بشكل جاد لدينا.