بغداد: مآب عامر
إنَّ قراءة لبعض أعمال الروائي والسيناريست والمؤلف المسرحي الأمريكي، كورماك مكارثي الذي رحل عن عمر يناهز الـ 89 عاماً في منزله صباح الثلاثاء 13/ يونيو، تعد فرصة جديرة بالاهتمام، وتحديداً شعورك بأن الكاتب يحاول جاهداً اظهار ومحاربة سبل دمار هذا العالم.
وأفادت دار نشر كتبه «بنغوين راندوم هاوس» في بيان بعد رحيل مكارثي الذي عُرف بكتاباته التاريخية عن منطقة جبال الأبالاش الأميركي و»الغرب المتوحّش» القاسي، أن رحيله كان لأسباب طبيعية في منزله في مدينة سانتا في بولاية نيو مكسيكو.
وكان تشارلز مكارثي المولود في 20 تموز 1933 في بروفيدنس بولاية رود آيلاند (شمال شرق الولايات المتحدة) “أحد أكثر الكتاب شهرة وتأثيراً في العالم”، على ما وصفته الدار الناشرة لمؤلفاته.
وفاز صاحب الاثنتي عشرة رواية بعدد من الجوائز المرموقة في الولايات المتحدة، منها جائزة بوليتزر عام 2006 عن كتابه “الطريق” الذي يروي رحلة أب وابنه في بلد دمرته كارثة مجهولة السبب.
ونقل البيان عن المدير العام لدار “بنغوينراندوم هاوس” نيهار مالافيا قوله إنّ “كورماك مكارثي غيّر مسار الأدب”. ومع أن الروائي لم يعرف النجاح إلا في مرحلة متأخرة من حياته، “تعلّق ملايين القرّاء في مختلف أنحاء العالم بشخصيات رواياته، وموضوعاته الأسطوريّة، والمشاعر الحميمة والصادقة التي وضعها في كل صفحة في روايات رائعة ستبقى إلى الأبد، لأجيال مقبلة”، وفقاً للدار.
مكارثي كان غريب الأطوار، ومن المعروف عنه أنّه من الكتاب الذين لديهم شغف بالعزلة. فقد ارتبط اسم الكاتب التي تعود عوالم رواياته التي ترجم منها القليل إلى العربية لعبثيّة متمرّدة بالعزلة، وكما يجادل هايدجر بأن الوجود مع الآخرين هو جزء من “بنية الوجود البشري”. وسواء كنا تعتقد ذلك أم لا، فإن عزلة الكاتب لها الأثر الكبير في كتاباته وتزايد خيالاته التي ستبدو منطقيَّة من وجهة نظر القارئ.
لقد تجنب كورماك مكارثي الأضواء إلى حد كبير، وكان يفضل رفقة العلماء والباحثين، وربما يعود السبب لأنه قد تخلى عن شهادة في الفيزياء لينضم إلى سلاح الجو الأمريكي في عام 1953. هناك، وفقاً للمصادر لاحقاً، صار محباً للقراءة، حيث استغل الوقت الذي أمضاه في السلاح الجوي في قراءة الكثير من الكتب. حتى بدأ الكتابة ونشر روايته الأولى “حارس الحديقة” في عام 1965.كتب مكارثي أكثر الكتب مبيعاً، مثل “كل الخيول الجميلة”، وهي روايته السادسة، حيث حققت نجاحاً كبيراً في عام 1992، أما رواية “الطريق” فقد حاز بفضلها على جائزة “بوليتزر” لعام 2007. وتصور هذه الرواية “رجل وابنه يرحلان إلى الساحل بحثاً عن الطعام والمأوى لتبدأ سلسلة من الأحداث التي تُظهر ما تخلفه صراعات البشريَّة نتيجة القسوة والوحشيَّة من دمار”.
ومع ذلك، لا تزال أفضل أعماله وأكثرها شهرة هي رواية “لا بلد للعجائز” عام 2005 والتي تم تحويلها لفيلم سينمائي ضخم حمل الاسم نفسه وفاز بـ 4 جوائز أوسكار من ضمنها جائزة “أفضل فيلم في العام”.
وثيمة أحداث الفيلم هي “المال” الذي غير حياة صياد مع زوجته، هذه الحياة التي تنقلب راساً على عقب بعد أن كانت هادئة بسبب عثور الصياد على حقيبة تمتلئ بالمال وأخرى بالمخدرات تركتها عناصر عصابتين دارت بينهما معركة شرسة أدت إلى مقتل الجميع. يأخذ المال ويفر به لتتغير تفاصيل حياته، ولكن القاتل الذي خصصه رئيس إحدى العصابتين يبدأ بملاحقته سعياً خلف الحقيبة فيقتل زوجته وكل من يعرفه غاية في ذلك.
هذا النوع من أحداث الرواية ليس بغريب اجتماعياً وفكرياً، بل إنه من المتوقع عادة؛ لذا تنتمي رواية هذا الفيلم الى “نظرية التطور” التي تجسد حياة يسيطر عليها المال حدَّ البشاعة، ولأنَّ مكارثي يصور فيها السوداوية البشريّة فإنّ “البقاء للأكثر شراً”. الفيلم يطابق تماما فكرة الضعيف هو من لا يمتلك المال على هذا الكوكب وصولاً إلى حالة من اللامبالاة والقسوة.
إنّه فيلم إثارة عميق حول ما يمكن للعقل أن يقنع نفسه عندما يُترك المال ليتحكم بحياتنا - التداعيات المحتملة لما نسميه “الحياة بلا مال لا تستحق أن تُعاش”.