الاقتصاد الإبداعي عبر المصغرات السياحيَّة والثقافيَّة

منصة 2023/06/21
...

  حيدر علي الأسدي

تعتز المجتمعات بإرثها الثقافي والحضاري والتراثي بمختلف مستوياته، وتتفاخر المجتمعات بما أنتجته من أدباء ومفكرين، وتعتز بما لديها من عمق حضاري وتراث متنوع، فممكن أن تتعرف على المجتمعات، من خلال تاريخها الثقافي والمعرفي، وما انتجته هذه الأمم من ثقافات شعبية أو فنية وحضارية. في البلدان العربية هناك اعتزاز كبير بهذه القضية، حتى أننا نتفاخر بإرثنا الثقافي والحضاري أكثر من حاضرنا.

ما أود قوله إن في السنوات الأخيرة وفي ظل توسع رقعة الاقتصادات لدى البلدان، والبحث عن تنوع في موارد البلدان الاقتصادية، بات من المؤكد الاتجاه إلى السياحة، وهنا برزت لنا مفاهيم تتعلق بالسياحة العلمية، والسياحة الثقافية، والسياحة الترفيهية وغيرها من مفاصل تتعلق بالجانب الثقافي للفرد ليس على مستوى الترفيه وحسب، بل والاطلاع على ثقافات وتراث البلدان التي يتم زيارتها، فما أن تقصد بلد ما حتى تبحث أول وهلة عن أبرز (معالم وآثار) هذا البلد، سواء أمكنة، أو ساحات أو مراقد شخوص وغيرها. 

في السنوات الأخيرة التجأت العديد من البلدان إلى إنتاج ما يسمى (بالمصغرات السياحية)، والتي تمثل (أماكن، شخصيات، أو غيرها)، وهي مصغرات تباع أولاً لتحقيق مردود مادي، وثانيا للتسويق لثقافة وحضارة هذا البلد أو ذاك، وهي تعد من الهدايا الرمزية التي يجلبها السائح لوطنه حين العودة، فانتشرت مثل هذه المصغرات في الصين وماليزيا والهند، وكذلك في مصر والمغرب وتونس وغيرها من البلدان. 

وفي منطقة شرق آسيا يعد فن صناعة المصغرات ضمن حقل (الاقتصاد الإبداعي) القائم على استخدام الابداع في تحقيق الأرباح المالية عبر الحرف المصنوعة بالأيدي، أو بمهارات إبداعية خالصة، في العراق مؤخراً بدأت مثل هذه المصغرات تنتشر، ولكن ما نحتاجه هو خصوصية تصنيع المصغرات يجب أن تكون بأيدٍ عراقية بارعة وعارفة بتفاصيل هذه المصغرات واهميتها الثقافية، فالآن ممكن الدخول لأي محل للهدايا ستجد العشرات من التماثيل المصغرة التي تمثل حقب تاريخية وحضارية مختلفة للعراق، وبعضها يمثل شخصيات عراقية (في الشعر مثلا أو في الجانب الديني أو التاريخي)، ولكن تجد بعض ملامح تلك المصغرات مشوهة أو تجارية بحتة.

أتذكر كيف استهجن العديد مصغر (شخصية الشاعر السياب)، المصنوع في الصين والذي عد نسخة مشوهة ولا تمتلك اللمسة الجمالية في الصناعة على عكس النسخ المحدودة والنادرة التي صنعت بإشراف عراقي بصري، وهكذا بقية الشخصيات التي نشاهدها في الأسواق حالياً، ما أود قوله إننا بإمكاننا أن نسوق لسياحتنا وثقافتنا عبر انتاج العديد من المصغرات للأمكنة وللأدباء والشعراء ولحقب حضارية عراقية ماضية، ممكن تصنيع هذه المصغرات باحترافية عالية وبلمحات إبداعية، بالتالي تحقيق التسويق السياحي والثقافي لبلدنا حضارتنا، ويمكن أن تباع مثل هذه المصغرات في الأماكن، التي يتواجد فيها سواح عرب أو أجانب كمدن الاهوار، أو المدن التي دخلت لائحة التراث العالمي، أو شمال العراق، أو حتى الأماكن التي تنتشر فيها وتنتعش السياحة في مواسم الربيع أو من خلال معارض الكتب ومعارض التسويق المختلفة وغيرها من منافذ بيع مباشرة.

وهو الامر الذي يسهم بتعزيز معرفة الاخر بإرثنا كبلد تمتد حضارته إلى الآف السنوات، وفي الوقت ذاته يعد اسلوباً حضارياً في التسويق عن سياحتك وثقافتك، ومن المهم كذلك جني الأرباح جراء بيع هذه المصغرات المتنوعة والتي تمثل أطياف وحضارات وثقافات متنوعة من هذا البلد. 

اعتقد أن مؤسساتنا الثقافية والفنية وبخاصة العاملين في حقل (النحت) و(التصاميم والطباعة) معنيين بهذا الامر على وجه الخصوص، والأهم من كل ذلك أن هذه الاعمال تعد تخليداً لتلك الأمكنة والشخصيات، فإن تصميم مصغر (للسياب) أو (محمد خضير) أو (الشناشيل) أو (نصير شمه) أو (الفراهيدي)، أو (كهرمانة) (بوابة عشتار) أو (المتنبئ ) أو (ساعة سورين) و(السندباد) وكذلك (نصب الحرية) أو تراث مدينة بابل واثارها المهمة، أو حتى (الاهوار ونخيلها) وجمال مدن كردستان وجبالها وشلالاتها وجمال الأمكنة العريقة وشخوصها في بغداد السلام والإبداع، وغيرها. 

هذه إن صنعت على النحو الصائب ستكون متاحف متنقلة بين يدي السواح من مختلف بلدان العالم، وممكن يكون هناك تقليد بتقديم هذه المصغرات (إن كانت صناعتها بجودة مبهرة أكيد) إلى ضيوفنا من البلدان الأخرى.

فيومياً يدخل إلى العراق العديد من الضيوف الأجانب والعرب في زيارات رسمية لمؤسساتنا الحكومية، وبهذه الطريقة يمكن التعريف بثقافتنا بأسلوب حضاري وفي الوقت ذاته يعزز الجانب الاقتصادي للمجال السياحي، وممكن أن يعمل في هذا المجال إن تفعل بصورة صحيحة العديد من الشباب والمبدعين من الفنانين، وبهذا يكون جانبا ربحيا اقتصاديا، وفي الوقت ذاته ثقافي يسهم بتعزيز مجالات السياحة والتعريف بالبلد وما يضمه من مبدعين وأماكن تستحق أن تنتقل من مجالها المحلي إلى الإقليمي، بل العالمي لتكون المنارة التي تعرف العالم بهذا البلد وخزائنه 

الثمينة.