موسيقى الوجَع ..

ثقافة شعبية 2019/04/26
...

ريسان الخزعلي
على الرغم مما يلفح القصيدة الشعبية من ريح سموم منذ ثلاثة عقود واكثر لأسباب تتعلق بالتحولات والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الا انَّ العودة الى النبع الأول مازالت ممكنة وقوية في اية لحظة شعرية، ومثل هذه العودة مازالت مرتبطة هي الاخرى بقدرة شعراء النبع الاول، شعراء مابعد المرحلة النوابية، اولئك الذين وضعوا القصيدة الشعبية العراقية في مسار يتماهى ويتوازى مع تطور القصيدة الحديثة المكتوبة بالفصحى، بعد ان ادركوا معنى الشعر وفكرة الشعر وقصديات الكتابة الشعرية الابداعية من دون الالتفات الى هوامش طارئة تحاول ان تُطيح بجوهر الفن العميق كما يحصل الان . من هنا يصح القول بأن القصيدة الشعبية الحديثة وبكامل عناصرها الفنية / الجمالية تختبئ في عباءات شعراء مابعد المرحلة النوابية ( الستينيين والسبعينيين ) .
والشاعر / عبد الكريم القصاب / من بين الشعراء الذين نشير اليهم، توضيحاً لا تلميحاً، ومجموعته الشعرية ( موسيقى الوجَع ) عن دلالة القول في اكثر من موقف فني . في هذه المجموعة، كما في المجموعة التي سبقتها ( مذكرات ايوب العراقي )..، يُقيم الشاعر صلاته الشعرية مع الشكل الأول والشكل الجديد بوعي الشعر، وصولاً الى توليد وبناء قصيدة شعبية جديدة، تمنحنا مسرّات الشعر واحزانه الداخلية :
ديرة خوف
والوجه النظيف امرايته الظلمه.. محروكَه المري إو تنكسر من تنجاس .....،
عله جرف النهر مجنون يتأمّل، وكَفت فوكَه غيمه إو غدت تتباركَ..، كَبل ما
ترعد إوتمطر..غط بالماي كله خاف يتبلل.......، دم الشرف مدرسه إوكل كَطره 
قاعة درس، حزن العليك إونقش لجروح لوحة همس..كل شي إعله طولك حلو
مادام واكَف شمس .
الشاعر القصاب، عارف بسريّة اللغة والصورة الشعرية والبناء الشعري، ورغم ميوله بإتجاه توليد تكوين شعري واضح، الا انَّ هذا الوضوح  لايعني التبسيط والتسطيح . ومثل هذه المعرفة تنتج شعراً بالكم والنوع، وبتوازيات متعددة على مستوى الاشكال الشعرية، وبراعة توليد الصور الشعرية الفنية . انه من الشعراء الذين يعرفون كيف تُكتب القصيدة .
موسيقى الوجع، موسيقى مركّبة، معزوفاتها متداخلة : عن الوطن، عن الانسان ومحنة الفقدان، عن الحُب العميق . انها صيحة الروح في مواجهة طوفان الوجَع، مواجهة بالموسيقى / العمق – الذي يصل بين القلب ورذاذ الدمع : ليليّه الوجوه ايجيبها المدري شِني ابروحي، تحط اوسادة الزيبكَ ابمرجوحه، تهز بيّه ..تهز والروح صفنة ماي، واتنفّس رذاذ الطين .
ورذاذ الطين هذا، هو مستقر النبع الأول، النبع الشعري الصادق كالذي في موسيقى الوجع.