سعاد البياتي
اقتربت أيام لها طعمٌ خاصٌ في نفوس كل من وفقه الله سبحانه وتعالى لأداء فريضته السمحاء، فكل أجواء الحج المبارك لها صورة حية في الذاكرة لا تتلاشى مهما طال الزمن، إنها أيام خالدة ومناسك لا مثيل لها، كانت الأرواح تطوف خارج أجسادنا، بشكل ينسى فيه المرء حياته بالكامل، بل ينسى الدنيا بتفاصيلها المملة، فكل مايدور في عقولنا أننا امام نداء عظيم ترتجف له القلوب وتحنو اليه الجوارح.
فكل المسلمين في بقاع العالم واصقاعه يسعون إلى اداء فريضة الحج طالما استطاعوا اليه سبيلا، ونرى لهذه المناسبة العظيمة قلوب تهفو إلى مناسكه، بكل يسر وصلاح دون المساس بالنهج السليم، والذي يتيح لكل مسلم أن يصل إلى مراقية العالية، بعيدا عن المعوقات التي تشغله عن ذلك الشرف.
إنه الاشتياق إلى أرض الرحمة والمغفرة، إلى أرض العطايا والهبات ومغفرة الذنوب، إلى أرض البلد الامين والبيت العتيق، والى زمزم الخير الذي ارتوينا من عذب مائه، شعور مفعم بالإيمان انتابني، وروحانية عالية احسستها بشكل لا يوصف، فقد تعجز الكلمات عن تسطيرها في حضرة الكعبة المشرفة، وأنوارها الزاهية، التي ملأت أركان كل شيء، وهيبة وجودها وسط الارض، وأنا أتشرف بالدخول إلى بيت الله العتيق، أرى الحجيج يتوافدون كأنهم ملائكة بلباسهم الأبيض، ووجوههم السمحة النقية، الآن وأمام مشهد الحرم، يتباكون ويسألون الله عز وجل من فضله وإحسانه
كم كانت أمنيتي أن أعيش حتى أبلغ هذه اللحظة العظيمة، التي هي تاج في حياتي، وشرف يجمل أعمالي، حتى حقق الله لي ذلك ذات يوم، فلم أصدق هذه الدعوة الربانيَّة، حتى وقفت أمام هيئتها البهية ارتجف من شدة فرحي، وأبكي من سخاء وعطاء الباري ليشرفني الوقوف أمام أرقى بقاع الأرض الكعبة المشرفة، التي رأيتها لأول مرة في حياتي وهي في أبهى حلّة، تتلألأ في عيوننا، بأجمل صورة وأكمل إجلال ومهابة تجعلها قبلة المسلمين، ومطلب المتلهفين لزيارتها والوقوف عند شرف النظر اليها.
ومتابعة المناسك في ايام الحج المباركة لتصل إلى ذروتها عند عرفة، التي تنقيك من الذنوب والخطايا، فهو الركن الاعظم في الحج، وتتوالى المناسك بتأدية كاملة وحرص على سلامتها بنفوس راضية ومتحملة كل متاعبها، لأنها قيمة عليا وحياة أخرى لا نحييها في أيامنا المعتادة، أشبه بقصة كل فصولها حكمة وقربة.