يعد مؤشر الإنفاق الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي وعلى مؤسسات البحث و التطوير المعروفة اختصارا بالـ R&D ،أحد أهم المؤشرات التي تعكس قدرة الدولة شكل عام في الاستثمار في مختلف التخصصات العلمية . فقوة الدولة العسكرية و التصنيعية و الاقتصادية و التقنية والزراعية و الطبية و الهندسية ..... لا يمكن لها ان تتحقق ألا من خلال توظيف الأموال اللازمة لمجالات البحث و التطوير فيها كلا وفق تخصصه من أجل استكشاف أفضل الطرق وأكثرها فعالية وبما يحقق الريادة و الزيادة فيها كما ونوعا وبشكل يقلل قدر الامكان من الاعتمادية على المنتج الأجنبي أيا كان هذا المنتج ،وهذا لا يمكن له أن يتحقق الا من خلال الاستثمار في العلم و العلماء و الباحثين و المختصين كلا وفق مجاله العلمي و الفني و التقني و دفع أعلى الأجور لهم و بما يحقق سياسة الاعتماد على الذات الوطنية شيئا فشيئا ،الأمر الذي اذاما تحقق فسوف تنعكس مخرجاته العلمية على سياسة الدولة بشكل عام و على المستويين الداخلي و الخارجي ويحقق لها منعة وحماية ذاتية تحول من دون استمرار عملية ابتزازها و ارتهان قرارها بالخارج الساعي إلى بقاء هذه الدول متخلفة لكي تصبح أكثر طواعية له وأكثر استجابة لطلباته و أوامره ،عندها يلغ الحديث عن القرار الوطني والاستقلال وتضحى كلمة لا معنى لها على المستوى الفعلي و العملي طالما لا تستطيع تلك الدول ان تؤمن حاجاتها الأساسية من الغذاء و الدواء بالاعتماد على نفسها فما بالك اذا أنصرف الأمر على استيراد السلاح ومستلزمات و مفردات قوة الدولة الأخرى من الخارج عندها يكون البلد عمليا واقعا تحت الاحتلال الخارجي وأن تحقق الاستقلال الرمزي ، وهو مصداق لحديث الإمام علي عليه أفضل الصلاة والسلام “من احتجت اليه تكن أسيره ومن استغنيت عنه تكن نظيره”، الأمر الذي يمكن تجنبه اذا ما خصصت الأموال الكافية للشروع بعمليات التصنيع و الإنتاج المحلي ولا بأس ان نبدأ بأدنى متطلبات المجتمع وهي الغذاء و الدواء للشروع بنهضة علمية تؤسس لمشروع تنموي وطني .
أن متابعة بسيطة على الجدول الموجود على مشغل غوغل للبحث عن قائمة الدول وفقا لأنفاقها على البحث و التطوير و الذي يبدأ بالولايات المتحدة الأمريكية حيث تنفق وفقا لعام 2013 اي قبل ست سنوات من الآن بما يصل الى 473 مليار دولار تليها الصين وفقا لعام 2015 409 مليار دولار ثم الاتحاد الأوربي بمعزل عن المانيا وفرنسا وبريطانيا يصل الى 334 مليار دولار سنويا والقائمة تطول لتصل الى رقم 22 وهي إسرائيل ليصل معدل الانفاق الحكومي فيها على البحث و التطوير الى 11 مليار دولار سنويا و تركيا قبلها تصل نسبة الإنفاق فيها الى 15 مليار دولار وهي كلها دول تقع في الصدارة في المشهد الدولي اذا ما أضفنا لها بالطبع اليابان وهي تحتل رقم أربعة وتليها ألمانيا الاتحادية ومن ثم كوريا الجنوبية وبعدها الهند ثم فرنسا فالمملكة المتحدة وعاشرا روسيا الاتحادية فالبرازيل .... ولم أجد العراق نهائيا في القائمة مما يدل عدم اكتراث النظام السياسي العراقي بمخرجات البحث و التطوير طالما ان الأموال العراقية قادرة ان تؤمن حاجات المجتمع العراقي من عمليات الاستيراد الكبرى والتي وصلت الى استيراد أقلام الرصاص والبصل والبلاستك وكل شيء ،وبنظره بسيطة من أي شخص عراقي على بيته ومتطلبات وحاجاته الأساسية يجد أنها أكثر من 97% منها مستورد من الخارج وهذا من أكبر الأخطاء التي تكررت منذ عام 2003 وحتى الان ، مما يلغي تماما أي حديث عن الأمن الوطني ، فالأخير لا يدرك بدلالة السلاح الشخصي والبزة العسكرية و الهوية التعريفية و السيارات ذات الدفع الرباعي السوداء اللون والمظللة .....الأمن منجز صناعي يسد حاجات الناس و الأمن منجز زراعي يؤمن حاجات الناس من الغلة الوطنية وقت السلم و الحرب و الامن اكتشاف واختراع دوائي وطبي متطور يقلل الاتكال على الآخر أيا كان هذا الآخر و الأمن منجز تنموي أولا و أخيرا ، يحقق الحماية للمنتج الوطني وهو أمر لن يتحقق الا بالاستعانة بالعلم و العلماء والاستثمار في عمليات البحث و التطوير و التي تتكفل بتطوير كل تفاصيل الحياة وجعلها أيسر و أفضل و أجمل....وهي في التحليل الأخير تجعل السياسة الداخلية للدولة قوية طالما أنها تستمد مقومات وجودها من الذات الوطنية وهي تؤتي ثمارها على المستوى الخارجي بالضرورة بحكم الترابط الوثيق بين السياسة الداخلية و السياسة الخارجية ، فحيثما تكون الأولى قوية وناجزه تكون الثانية كذلك والعكس صحيح .
وهكذا يصبح من اليسير ان نصل الى استنتاج مفاده كلما تزايدت نسبة الإنفاق الحكومي من الموازنة العامة للدولة ؛ استطاعت تلك الدولة أن تحقق لها مكانة متميزة في التراتبية الدولية ضمن النظام الدولي والعكس صحيح ، فالعلاقة بين قدرة الدولة ونسبة أنفاقها على البحث و التطوير لديها هي علاقة طردية بامتياز . وهو مصداق لحديث الرسول صلى الله عليه واله وسلم وهو يوصي من بعده بقوله :” إذا أردتم الدنيا فعليكم بالعلم و اذا أردتم الآخرة فعليكم بالعلم وإذا أردتم الدنيا و الآخرة معا فعليكم بالعلم”.