روسيا تخدع نظام تحديد المواقع

بانوراما 2019/04/26
...

إلياس غرول
ترجمة: خالد قاسم
لاحظ باحثون في مركز دراسات مقره واشنطن أن أمرا مضحكا يحدث خلال كل مرة يقترب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أحد الموانئ ،إن نظام تحديد المواقع العالمي “جي بي أس” للسفن الراسية هناك يخرج عن السيطرة ويضعها على مسافة كيلومترات بعيدا عن مدارج مطارات قريبة.
وذكر تقرير حديث أعده خبراء أمنيون ضمن مجموعة “سي 4 أي دي أس” أن هذه الظاهرة تشير الى سفر بوتين مع جهاز نقال يقوم بخداع جي بي أس، والى تلاعب روسيا على نطاق أوسع مما كان متوقعا.
فقد استثمر الجيش الروسي مبالغ طائلة في الحرب الألكترونية كجزء من محاولة الكرملين لتقويض ميزة الجيوش الغربية لاستخدام الأسلحة الذكية، وزاد كثيرا من قدرته على تعطيل اتصالات العدو التي تترجم الأفكار الأميركية بشأن حرب الشبكات الى
 واقع.
ويبدو أن روسيا متقدمة على نحو ريادي بتطوير تلك التقنيات داخل كل من أوكرانيا وسوريا، اذ عطلت الاتصالات اللاسلكية وجي بي أس واشارات الرادار. واشتكى ضباط أميركيون في سوريا من “بيئة حرب ألكترونية عدائية” ويجري الجيش الأميركي تحركات لتحديث قدراته بهذا النوع من
 الحروب.
يمتد الاصرار الروسي على الحرب الألكترونية الى فريق الحماية الشخصي لبوتين، حيث تبنى خداع جي بي أس كوسيلة لحماية الزعيم الروسي ضد هجمات الدرون. لكن استخدام تقنية الخداع يمكن تعقبه أيضا ويوفر نظرة غير مسبوقة عن كفاءة وحجم قدرات الحرب الألكترونية الروسية.
 
سلاح طائرة درون
يستخدم الحرس الشخصي لبوتين ما يبدو ظاهريا نهجا غير بديهي لمنع محاولات الاغتيال عبر طائرات الدرون. أما جهاز تضليل جي بي أس المصاحب لبوتين فينتحل اشارات جي بي أس مدنية خادعة ويعطي للمستلم احداثيات خاطئة للمطارات المحلية، ويختار احداثيات تلك المطارات لأن طائرات الدرون التجارية تكون مبرمجة بآليات أمان تجعلها تهبط تلقائيا أو تسقط عندما تدخل المجال الجوي لمطار ما.
نظريا، تطلق النيران على الدرون المحلقة قرب بوتين أو تهبط تلقائيا عند دخولها نطاق جهاز التضليل. يعد الخوف من الاغتيال بواسطة طائرة الدرون حقيقيا: فخلال العام الماضي نجا الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من محاولة اغتيال بالطريقة نفسها.
لكن استخدام روسيا لتقنية التضليل له بعض الآثار الجانبية المفاجئة، ففي أيلول 2016 سافر بوتين الى مضيق كيرتش مع رئيس وزرائه ديمتري ميدفيديف لمشاهدة حجم التقدم الذي وصل إليه مشروع جسر كلفته أربعة مليارات دولار بين شبه جزيرة القرم وروسيا، والتقى بوتين ومدفيديف العمال هناك، وأثناء تواجدهما داخل الموقع بدأت أنظمة الكشف التلقائية للسفن القريبة بتحديد موقعهما في مطار سيمفربول على بعد 200 كم
 تقريبا.
وتكرر الوضع عندما عاد بوتين الى كيرتش العام الماضي لقيادة رتل من شاحنات البناء عبر الجسر المشيد حديثا، ومن جديد ذكرت السفن هناك معلومات غريبة عن الموقع وظهرت على شاشات مطار أنابا الذي يبعد 300 كم
 تقريبا.
نجح الباحثون الأميركيون بتوفير أول تقدير عن التأثير واسع النطاق لنشاطات التضليل الروسية عبر تفحص بيانات الموقع البحرية المتاحة للجمهور. وسجل مركز الدراسات الأميركي نحو عشرة آلاف حالة تضليل بين شباط 2016 وتشرين الثاني 2018 وأثرت في 1311 مركبا، مما يشير الى أن هذا البرنامج الروسي كان أكثر اتساعا وشمولية مما هو متوقع.
يمثل ذلك الرقم الحد الأدنى لعدد حوادث التضليل، لأنه يوثق نوعا واحدا فقط من الشبكات المتضررة. ويركز التقرير الأميركي على اشارات جي بي أس البحرية بسبب سهولة توفرها، وأنظمة مدنية أخرى لا تذيع موقعها علانية ستتأثر أيضا.
 
تقنية مخترقة
تشمل المواقع المتأثرة بتضليل جي بي أس مناطق حول القرم وسانت بطرسبرغ وموسكو ومدينة فلاديفوستوك الواقعة أقصى شرق روسيا وحول قواعد الجيش الروسي داخل سوريا. وسجل مركز الدراسات نشر أجهزة تضليل جي بس أس مضادة للدرون على منازل روسية رسمية ومبان حكومية غير رسمية مثل قصر مبني وفق الطراز الكلاسيكي على البحر الأسود.
وقد نفى الكرملين باستمرار أن ذلك القصر يعود للرئيس بوتين، لكن وجود الجهاز يوحي بغير ذلك. ووجد الباحثون أيضا أن هذه التقنية مستخدمة ضمن قاعدة عسكرية روسية داخل سوريا تعرضت الى هجوم بالدرون.
لا توجد مؤشرات على تسبب التضليل الألكتروني الروسي بإصابات مدنية مباشرة. لكن تعطيل جي بي أس أبقى طائرة اسعاف خارج العمل في شمال النرويج، واشتكى جيران روسيا مؤخرا بقوة من ذلك التدخل.
الجيش الروسي ليس الوحيد الذي يمارس تعطيل اشارات جي بي أس، اذ حذر الجيش الأميركي من ممارسات مشابهة ستؤثر في الشبكات بمناطق واسعة من جنوب شرق الولايات المتحدة، ومن غير الواضح ما هي التقنيات التي يستخدمها الجهاز السري الأميركي لحماية رؤساء البلاد من هجمات الدرون.
توضح هذه النشاطات مدى هشاشة أنظمة جي بي أس أمام التلاعب، واتسع استخدام هذه الأنظمة خلال العمليات الاقتصادية المعاصرة بعد نشرها ضمن الهواتف الذكية والسيارات وأنظمة السيطرة الصناعية وشبكات الكهرباء.
وقد ظهرت دلائل على نشاطات غير قانونية تستخدم هذه الأساليب، ففي 2015 حذر مسؤولون حكوميون أميركيون من تعرض طائرات درون منتشرة على الحدود مع المكسيك الى تضليل أنظمة جي بي أس الخاصة بها، وكان المتهم المرجح بعملية الخداع هو عصابات
 المخدرات.