د. أحمد حامد الهذال
بعد مخاض عسير تم إقرار الموازنة من قبل مجلس النواب ولم يركِّز هذا المجلس على الجوانب الاقتصادية كثيراً في تخصيصات الموازنة العامة والتي تعكس الدور الاقتصادي ومعيار النجاح لأي حكومة.
إن الموازنة الثلاثية لم تغيِّر واقع طموح مختلف لأن المادة (77) أكدت على إرسال مجلس الوزراء الموازنة العامة (2024-2025) إلى مجلس النواب للموافقة عليها، فلا تختلف هذه الموازنات عن سابقاتها بنوع البنود وليس الأداء سوى تضخيم العجز والانفاق الحكومي الذي أكد على الأهداف المالية والاجتماعية والسياسية وأعطى قدراً قليلاً للجوانب الاقتصادية وهي أيضاً لم تعتمد على تحليلات الاستدامة المالية ومبدأ التكاليف والعوائد، وهذا جانب يحتاج إلى دراسات مستفيضة ومعمَّقة يصعب على متخذ القرار فهمه جيداً.
ويتضح ذلك من مخرجات الموازنة العامة وتصويت السلطة التنفيذية والتشريعية على المادة (61) والتي أكدت على التمادي بالعجز باستثنائه من قانون الإدراة المالية رقم (6) لسنة (2019) المعدل، لا أعلم ماهي فائدة إقرار القوانين إذا تم تعطيلها بقوانين لاحقة؟ وهذا ليس استثناء لحالة معينة وإنما منهجية مستمرة بأغلب سنوات الموازنة العامة السابقة.
خطورة هذه المادة تأتي من زيادة الأعباء المالية على المجتمع وهذا ما يوضحه أكثر مصطلح "الوهم المالي" والتي سمحت بزيادة العجز في الموازنة بأكثر من 20بالمئة.
إن نسب العجز من الناتج المحلي الإجمالي عندما تحدد بمقدار 3 بالمئة أو 5 بالمئة يراد بها تنظيم عمل الموازنة وضبط إيقاع المالية العامة من التدهور الذي سيُلحق الضرر بالأجيال المقبلة والتي ستدفع مستحقات اليوم، فالقيمة الحالية للدين الحكومي المستقبلي ستكون عالية بالنظر لمؤشرات الاستدامة المالية Financial Sustainability والدين العام، إذ سترتفع حسب سيناريوهات هذه الموازنة بأكثر من 70بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن استقرت بنحو 45 بالمئة، وهذا ما يسمى في الاقتصاد (فخ المديونية).
وقد نشهد حالة من التمويل البونزي Ponzi إذ ستختل بنود الموازنة العامة بشكل لا تستطيع السلطة المالية السيطرة عليها ويتدخل حينها البنك المركزي بشكل أوسع لتمويل جزء كبير من العجز الحكومي أما عن طريق عمليات السوق المفتوحة بشراء سندات المالية العامة بكميات أكبر أو عن طريق إقراض المالية العامة بشكل مباشر وهذا ما حظره قانون البنك المركزي العراقي رقم 56 لسنة 2004.
بالرغم من حظر الاقتراض المباشر إلا أن البنك المركزي مستمر بخصم هذه الحوالات حتى ظهرت مادة ترسخ الهيمنة المالية- النفطية عن طريق خصم 23.504 تريليون دينار عن طريق البنك المركزي وهذا تطور خطير على الاستقرار النقدي في ظل استمرار اختلال توازن سعر الصرف ونقترب من أخطر أنواع التضخم الذي يهيئ عملية انهيار العملة والاقتصاد الهش.
تضع أغلب البلدان المتقدمة والناشئة سقوفاً للدين الحكومي حتى لا تكون هناك أريحية للسياسيين باستخدام هذا الدين لتمويل المالية العامة بسبب الضغوط السياسية والاجتماعية التي تسببها أخطاء السياسات السابقة وعدم استخدام الأساليب الاقتصادية الحقيقية في تحقيق النمو الاقتصادي من خلال تحقيق القيمة المضافة للقطاع غير الريعي، لذلك نرى أن يتم تعديل بنود الموازنة للعام 2024-2025 حسب متطلبات الاستدامة المالية مادامت هناك وفرة مالية لهذه السنة حتى نضمن استمرارية القدرة على تحمل الدين العام واستمرارية المالية في تمويل النفقات العامة من دون إجبارها على تصحيحات هيكلية تضر ببعض القطاعات الاقتصادية، والمدخل لمثل هكذا إجراء هو تحديد سقف الدين العام في الموازنة بنسبة تتراوح ما بين40 -50 بالمئة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي حتى نضمن بأن المالية العامة ستبحث عن بدائل أخرى لتعزيز الانضباط المالي عبر الإيرادات غير النفطية، ويبقى الاقتراض حسب فلسفته في قاعدته الذهبية الموجهة نحو الاستثمار فقط لتعزيز الإيرادات غير النفطية.