كامل الركابي.. شاعر الندى الشفيف

ثقافة شعبية 2023/07/06
...

 سعد صاحب  


ليست القصيدة الغموض الذي لا يفسر، أو الكلام النهائي لمعنى الاشياء، بل ينبغي لها أن تجعل الحياة المزدحمة بالمشاغل، أكثر أشراقا وحيوية وحضورا ومسعى، وما جدوى المفردات الرنانة الخالية من المعنى الجميل؟ هذا ما تقوله لنا التجربة الطويلة، في عالم الكتابة المتأرجح بين الوضوح والايهام. ( هذا منبع سيل لو مجره مطر/ مستغربين أشلون واعيونك حجر/ هذا صوت الريح ما ينسمع حسك/ انته سارح بالحلم لو ناسي نفسك/ هذا انتـه وبيـك تتخفـى الظــلال/ والشمس مــا زارتك حتــى ابخيال ).

للشعر تأويلات عديدة، ولا يمكن الاتفاق على تفسير واحد للقصائد، لانها شعرا من طراز رفيع، ولأنها فنا راقيا، تتداخل في تكوينه العديد من التقنيات الصعبة، ومهما ابتكر الشاعر وأبدع واجاد، يبقى مترددا وخائفا من كل خبرة جديدة، لأنه يخشى من العصيان والتمرد، وشحة العطاء ويباس الاخيلة والنضوب، وعدم الوصول إلى ضفاف آمنة .( النار نار الحب/ تشعل داخلك لليوم خضره/ تستعر تتجدد وما تنطفي/ رغم التجاعيد البدت تحت الوجه ما تختفي ).

كتب ملهمة
لا يتوقف الشعر عند نقطة واحدة، فالكتابات الشعرية الناضجة، كثيرة ومجنونة وغريبة على المسامع، والشعراء كتبوا في مختلف التجارب، الغزلية والسياسية والانسانية والاجتماعية والتعبدية، والشاعر يحاول أن يكتب بأسلوب قريب من روح الكتب الملهمة، محتفيا بما جادت به قريحة المبدعين الكبار، من الاعجاز والنبوغ والالهام والابتكار والاستمرارية .( محسود من زغرك/ محسود من لا شي/ لا مال لا سلطنه لا بيت لا كلشي/ لا كلشي ما تمتلك/ حتى عيونك غدت من العمر تعشي/ محسود يمكن على حس الفكاهه الذي/ بروحك صعد للوجه/ وبنغمه ظل
يمشي ).

إبداع متفرد
كامل الركابي يفرض علينا أن نقدره، بما قدم لنا من إبداع متفرد، يرضي غرورنا الشعري ويواكب كبرياء النقد المتعالي، فهو الذي يدخل الكلمات في حبكة شعرية متصاعدة، وكأنه يقدم لنا درسا بانتقاء المحتوى الصاعد، وفي ايصال المضمون المطلوب بطريقة مهارية محكمة، أساسها الثقة بالنفس وطاقة الشعر الهائلة وصدق الأحساس وحرارة التجربة ونشوة الاندفاع .( بين كل شارع وشارع نمشي/ تلعب بينه رجفات الفصول الاربعة/ شمس/ غيمه/ مطر ناعم/ ورد هامس/ مرت ابنيه جميله/ فيصل العيبي فتح صدره وتنفس فصل خامس ).

زهرة ذابلة
شاعر لديه وفرة في الموضوعات التي يتناولها، ولهذا السبب يبتعد عن تدوين القديم، ولا يعيد تدوير السرديات الكبرى، باعتبارها تغازل الكثير من الجماهير الحالمة، ويكتفي بالكتابة عن أشياء لها مساس بحياة الهامش، او تأخذه الأفكار صوب صديق قديم او حانة مقفلة، او مقهى شعبي يستقبل الغرباء، او بيت مغلق الأبواب او عن زهرة ذابلة او شيخ مهجور، او ساحة يتساقط فيها الندى الشفيف، ويلوذ بها الفقراء عند اشتداد الهموم .( النهر من يعبر مدينه يضيع حسه/ والشارع البي ناس مزدحمه ابد/ ما يضفي ع الحلوات لمسه/ الكهاوي البيها أصوات الاغاني/ الجايجي / الرواد/ رن الاستكاين / الحبيبه شلون تسمع من حبيب العمر همسه ).  

كثافة تعبيرية
كتابات تشدنا اليها بقوة، والسر يكمن بلغتها الحديثة واسلوبها الممتع ومعانيها المختلفة، وهي تقدم نفسها بطريقة بسيطة، ولكنها عميقة وذات أفكار مرموقة واسعة، وكثافة تعبيرية واضحة بسطور قليلة، بعيدة عن المزاجية والتحايل و الادعاء والمنفعة الشخصية والقصور .( الموت مرسوم بقميصك/ وانت ع المسرح تغني وتنكتل/  الموت فن واكثر حداثه من الشعر/ فعل واحد منفعل/ يمتلك مضمون واحد/ وعدد يمتد لا نهائي
من الشكل ).