وجدان عبدالعزيز
تقوم العلاقات بين مكونات الدولة الوطنية على أساس عقد المواطنة، التي ترتب حقوقاً للفرد في قيم المســاواة وتكافؤ الفرص والعدالة والأمن والحريات، وترتب أيضـا على الفـرد واجبات تجاه الدولة وتجاه غيره من المواطنين، فكيف نميز مقومات الدولة الوطنية، هل القيام ببناء مدارس ومؤسسات اجتماعية واقتصادية على الطرازات الحديثة يكفي؟ سيكون جوابنا بدون أدنى شك بالنفي، إنما لا بد من بناء إنسان ذي عقل يمتاز بالحداثة والإبداع المتجدد، مؤمنا بقيام مؤسسات دستورية مدنية قادرة على الديمومة والاستمرار بقوانين منبثقة من الدستور، فالدولة الوطنية قيادات حكمت مجتمعات، وليست مؤسسات ترتكز إلى جمهور المنتخبين فقط، مثلما حدث في تجربة العراق، التي بدأت بعد القضاء على نظام الدكتاتورية سنة 2003م، والتي قام الأشخاص المنتخبون الاهتمام المتزايد بالامتيازات، ما وسع الفوارق الطبقية بين أبناء المجتمع العراقي، ومن ثم زيادة الصراع الطبقي، وكما نعرف أن البناء الديمقراطي يحاول التخلص من هذا المرض الاجتماعي، وذلك من خلال بناء المؤسسات الدستورية، التي تستوعب كل طبقات المجتمع، كما نصت على هذا المادة 14 (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي).
والخلل الثاني ومن الملفت للنظر والذي يثير الدهشة والتعجب، من بدء الانتخابات في العراق وحتى الآن لا توجد معارضة، العلة تكمن في أن الحزب أوالكتلة السياسية، التي تحصل على اصوات الاغلبية، والتي تؤهلها إلى تشكيل الوزارة، ولها ايمان كامل في تحويل برامجها السياسية إلى قوانين لخدمة المجتمع، لا تقوم بهكذا سلوك ديمقراطي، انما تسلك سلوك التوافقات السياسية، وهذه بدورها تفشل في تكوين معارضة، تلك التي تنتقد وتعترض وتراقب عمل الوزارة، وتستجوب رئيس الوزراء والوزراء في اي شأن من شؤون المجتمع والدولة، وفق آليات دستورية وقانونية وتقديم المقترحات والبدائل لتصحيح الخطأ والخلل، هذا من جهة ومن جهة اخرى، فإن المعارضة تحترم وتعترف بسلطة الحكومة المنتخبة، كما تحترم الاغلبية، وكونها اقلية سياسية، لا بد أن تتعاون مع الحكومة لأجل الصالح العام، فهي لا تقوم بالمعارضة لأجل المعارضة، بل إن المعارضة تشكل جزءا متمما للنظام السياسي، فهي قد تكون غدا في الحكومة وبالعكس، إن دور المعارضة طبيعي يرتبط بطبيعة الانسان بالاختلاف، فمن غير الممكن أن يتشابه الناس في أفكارهم جميعا، أو نحصل على ارادة إجماع في قضية ما، لأن الاجماع، هو(فشل) في الحقيقة.. اذن ولأجل حل الاختلافات بشفافية وبعقلانية لتلافي تعطيل أي قرار يخدم المجتمع، هي الصيغة الديمقراطية الصحيحة، لذلك يفترض بالأحزاب السياسية الحالية أن تعترف بأن المواقف والاراء السياسية هي في الحقيقة (غير ثابتة) دائما، فهي قابلة للتغيير وإن الموافقة والوصول إلى رأي في قضية ما لا يتمان في كثير من الاحيان، إلا من خلال (التعارض) في الأفكار ووجهات النظر، التي تجري من خلال النقاش الحر والعام سلميا، وبالتالي نشوء المعارضة سيكون مرتبطا بنشوء حالة من الاستفزاز والقلق الاجتماعي والسياسي، الذي ينطوي على شعور الانسان بالتذمر في درجاته الدنيا، وفي التمرد في درجاته العليا، بسبب حدوث التناقض بين السلطة والشعب، ما يولد حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وكذا أمر له اثاره على مختلف نواحي الحياة الاخرى، أي انه قلق يؤدي إلى اتخاذ موقف مناهض تجاه قرارات السلطة، الامر الذي يفضي إلى تأسيس تجمعات تتفق فيما بينها على مجموعة من المبادئ، أو تعمل على طرح مشروع إصلاحي، لترميم بعض الهدم السياسي والاجتماعي، إن العملية السياسية الديمقراطية ما دامت تؤمن وتقر وتعترف بالاختلاف، فهي تطرح موضوعة (التعددية السياسية)، لأنها شرط أساسي من شروط تطبيق الممارسة الديمقراطية، حيث تعمل في ظل المنافسة السياسية المشروعة دستوريا، فطبيعة الدستور تحدد نوع المعارضة، لأن العوامل الدستورية تنعكس على حالات المعارضة السياسية، وتلعب دورا مهما في توجيه الموارد السياسية لبناء مؤسسات الدولة المدنية القائمة على المعارضة الايجابية، التي تخدم الانسان في كل مناحي الحياة، ثم تحقيق العدالة، الأساس المهم في استقرار الحياة السياسية.. فمتى ستدرك الأحزاب السياسية الحالية أنها خلفت التشويه والتخلف لشعوبها؟
لماذا تكرر هذه الأحزاب أخطاء الماضي بارتكاب أخطاء جديدة وتخترق أسس إصلاح الدولة؟.. فنحن نطرح إصلاح يحاول اظهار وجه الدولة الوطنية الحقيقي، ولكن الساسة يعملون على اظهار سياسة عقائدية دينية مذهبية قومية، ترافقها نوعية مبطنة من أيديولوجيا الصراع بين جيل يطمح في ترتيب أناقة الدولة وسلامتها وعطائها الفكري، وجيل من مشايخ الشيوخ وساسة السياسة القابعين في مقراتهم ومناصبهم وامتيازاتهم السلطوية، فمتى نصلح دولتنا العراقية؟.