عصام عباس أمين
قد تكون التصفية الجسدية لابي محمد الهاشمي خيارا وحيدا، الا انه لن ينجح في ايقاف اصوات اخرى وشهادات اخطر سنسمعها لاحقا، خاصة ان التنظيم يعيش وضعا صعبا للغاية بعد فقدانه الارض والتمكين وقتل وجرح الاف المقاتلين وتشريد عوائلهم. فقائمة الاصوات المعارضة كانت تضم اسماء لامعة في التنظيم يذكر لنا (خباب الجزراوي) عند تقديمه للكتاب (ص9– ص11)، اسماء ستة وعشرين منهم مع ذكر المواقع التي كانوا يشغلونها في التنظيم. وهذا يعني ان الحراك الحالي لخلع البيعة عن البغدادي امر وارد لا بل قد يتجاوزه الى الاطاحة برأسه.
كتاب كفوا الايادي عن بيعة البغدادي يأتي بعد ست سنوات من كتاب (مد الايادي لبيعة البغدادي، لتركي البنعلي، وهو كان المسؤول عن مكتب البحوث والدراسات لدى التنظيم)، هذه الفاصلة الزمنية القصيرة مهمة جدا في تقييم تجربة “دولة الخلافة”، بين الحلم بدولة اليوتوبيا ودولة الواقع، مع العرض بأن الكاتب يعتبرها تجربة لا تخلو من فوائد وعبر عظيمة، فهي بنظره (تجربة كنز للبشرية كافة في تفاصيل اقامة الدول ص8). ويؤكد (ليعلم الواقف على كتابي هذا ان الدولة الاسلامية لم تكن يوما شرا محضا بل والله لقد غلب خيرها شرها ولا ينكر ذلك الا حاسد او اعمى، ص 23). وهذان التأكيدان يبينان لنا نمط المقاربة الفكرية للكاتب، وطبيعة خلافه مع ابي بكر البغدادي وعصابته... وهو خلاف حول التزام اكبر بالشريعة وبتطبيق الحدود واقامة العدل والانصاف، ولا يعرف من يستطيع تحقيق ذلك وكيف في دولة دينية مغلقة على نفسها؟؟!! وفي ظل شريعة باتت متورمة جدا، نتيجة لآراء الفقهاء والمتكلمين والاحاديث واختلاف الازمنة والعصور. وفي وقت يعتقد فيه جميع الطوائف والمذاهب انهم اتباع دليل وكتاب ووحي، (وانه متى ما ظهر لنا الباطل ابطلناه ونبرأ منه ومتى ما بدا لنا الحق سارعنا اليه، ص 29). هنا لابد لنا ان نشير الى استحالة تحقيق التوازن الفكري (الاجماع) في دولة يجد فيها كل شيخ نفسه مسؤولا وانه صاحب الحقيقة من دون الاخرين. وكمتابع لإعلام التنظيم لاحظنا بروز بعض الخلافات الفكرية الحادة داخل “الدولة”، تجسدت احداها بصورة واضحة، عند اصدار اللجنة المفوضة إعمامها المعنون (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حيىَ عَن بَيِّنَةٍ) في 17/5/ 2017 والذي اثار نقاشا داخليا وخلافات بين المشايخ وطلاب العلم، مما ادى الى اصدار إعمام جديد في العدد الثامن والتسعين من صحيفة النبأ (بإلغاء العمل بمضمون إلاعمام المعنون بالآية الكريمة (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ) وذلك لاحتوائه على أخطاء علمية وعبارات موهمة غير منضبطة ادت الى وقوع التنازع والتفرق بين صفوف المجاهدين خاصة والمسلمين عامة).
كتاب (كفوا الايادي عن بيعة البغدادي) يأتي في توقيت حرج بالنسبة للتنظيم، بعد تراكم الاخطاء وحصاد مر لتجربة لم تصمد كثيرا، وجوهر هذا الكتاب يتعلق بأصل من أصول أهل السنة والجماعة (الصبر على أئمة الجور، وحرمة الخروج عليهم)، فاذا كان النص المقدس واضحا في وجوب طاعة اولي الامر كما في (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) الا أن حدود تلك الطاعة لا تزال تثير خلافات واجتهادات كثيرة، فهذا (ابو محمد الهاشمي) يدعو صراحة الى نقض البيعة وخلع البغدادي بعد أن يذكر تسع مواضع مهمة في اوجه سقوط ولاية البغدادي.
1. ظلمه وجوره وبغيه وفسقه المتعدي بذلك.
2. اضاعة مقاصد الامامة بحراسة الدين وسياسة الدنيا.
3. اخل البغدادي بعقد البيعة التي كانت على الكتاب والسنة واقامة الدين ونصرة المظلوم.
4. بدعته وتكفيره للمسلمين واستحلال دمائهم وخروجه عن الصراط المستقيم.
5. امتناعه هو وطائفته بشوكة عن النزول للقضاء الشرعي والحكم والفصل.
6. تسببه بهلاك وانتهاك أعراض المسلمات في الموصل بمنع اخراج العوائل.
7. تعطيل شعائر ظاهرة بتأويلات باطلة فاسدة للإجماع وتشريع أحكام ما أنزل الله بها من سلطان، كتعطيل وتوزيع الغنائم وغصب الركاز بسلطان التخويف، والتفريط في دماء المجاهدين وأموال الامة التي جلبت هذه الاموال.
8. الغاء الشورى الحقيقية وإن حصلت فهي في غير أهلها في غير محلها.
9. انعزاله بسبب تغلب من تحته على قراره.
الاوجه التسعة اعلاه قدم (الهاشمي) لها حججا وادلة كثيرة، وهي مراجعة قاسية لنهج استهلك نفسه بسرعة، ونتوقع ان تأتي الردود سواء من اللجنة المفوضة او من شيوخ التنظيم، لإيقاف تأثيرات الكتاب والفكرية النفسية، لكن غير المتوقع ان يأتي اول الردود من (ابو جعفر العراقي) أحد الشرعيين في ديوان الجند بعنوان (السهم الثاقب في الرد على الناكث الهارب)، مع التنويه بأن اسم (ابو جعفر العراقي) تم ذكره ضمن الاسماء الستة والعشرين الذين ذكرهم (خباب الجزراوي) عند تقديمه للكتاب، وهذا يجعلنا في شك من دقة الكثير من المعلومات التي وردت في الكتاب، مما يتطلب المزيد من المراجعة والفحص من قبل المختصين في الاجهزة الامن والاستخبارية، قبل اعتماده كمصدر للمعلومات.
كخلاصة نهائية يمكن القول بأن الكتاب يكشف عن زيف الكثير من المدعيات وعمق الخلافات وتباين الاجتهادات وصعوبة الطريق الذي انتهجته هذه الجماعات، فتسببت بكوارث للمسلمين لا حصر لها، ثم يتبين ان سوسة الفساد والخلافات قد نخرت الدولة المزعومة قبل ان تكمل تسعة اعوام من تاريخ اعلانها وهو الامر الذي ينبغي ان تنتبه له الجماعات والافراد الذي انساقوا مع هذه المدعيات والشعارات، ثم بان للجميع ان الحصاد كان مرا وان الفساد الذي انتجه هذا الفكر اكبر من كل الحلول التي زعم انه جاء ليطبقها لينقذ المسلمين بها من ظلم انظمتهم الطاغوتية كما يقول.