العمال الأجانب والمتسولون أول ضحايا الإتجار بالبشر
ريبورتاج
2019/04/27
+A
-A
بغداد/ بشير خزعل
عمالة الاطفال ، التسول ، بيع الاعضاء البشرية واستخدام الفتيات في دور البغاء هي من أوجه عمليات الاتجار بالبشر التي يمارسها بعض العصابات والمجموعات التي تستغل الوضع المادي او العقلي لاشخاص من اجناس وفئات عمرية مختلفة ، المفوضية العليا لحقوق الانسان كشفت عن تصاعد جرائم الاتجار بالبشر في المحافظات الوسطى والجنوبية، بينما افادت منظمة (مصير) بحدوث 300 جريمة خلال العام الماضي، باحثون ومتخصصون في علم الاجتماع والنفس اشاروا الى اهمية متابعة هذه الظاهرة التي يستغل من خلالها ضعاف النفوس حاجة الناس لزجهم في متاهات تؤدي بهم في نهاية المطاف الى الموت او الانخراط في عالم الجريمة.
أعمال إجرامية
المتاجرة بالعمال والعاملات الاجانب وخطف اطفال لغرض البيع،اضافة الى المتاجرة بالاعضاء البشرية، والنساء بغرض الاستغلال الجنسي، اوالعمل القسري واعمال “السخرة” هي ابرز الاعمال التي تقوم بها العصابات التي تنتشر في مدن ومحافظات
عديدة .
في منطقة البتاويين وسط بغداد تمتهن فتاة في السادسة عشر من العمر التسول قرب المحال القريبة من ساحة التحرير ، وهي تتلاطف وتتلاسن في احيان كثيرة مع اصحاب المحال ممن يعرفونها ، تقول ( احلام ) وهو اسمها غير الحقيقي : انها تتسول بسبب مرض امها وفقدانها لابيها في احداث العام 2003 ، وهي تتولى رعاية امها واخوتها الاصغر سنا ، وهم يسكنون في دار كبيرة تقطنها اكثر من عائلة وبعض الغانيات مقابل نسبة من الارباح تعطيها تلك العائلات الى صاحب الدار ، فهو لن يقبل بايجار شهري وانما بحصة يومية من عمل يوم كامل صباحا
ومساء .
عروض
(جبار تشويش) ( 38) سنة ، كما يكنى من قبل اصحاب المحال، متسول آخر في منطقة شارع السعدون كان يتظاهر بانه يبيع بعض الحلوى والمناديل الورقية خوفا من ملاحقة الشرطة التي تشن حملة واسعة على المتسولين ، قال إنه يعيش في منطقة الباب الشرقي منذ العام 2004 بعد تعرضه لحادث قصف من قبل الاميركان واصيب برأسه اصابة بالغة ادت الى بعض العوق الحركي في اجزاء مختلفة من جسمه ، وعرض عليه احد السماسرة من عصابات المتاجرة بالبشرمبلغ 8 ملايين دينار عراقي مقابل بيع احدى كليتيه ووافق على اجراء العملية، لكن الطبيب المعالج رفض اجراء العملية لكونه غير كامل الاهلية العقلية للتبرع
بكليته .
نائب رئيس المفوضية العليا لحقوق الانسان علي عبد الكريم الشمري بين أن هناك وجود عدة اوجه للاتجار بالبشر منها عمالة الاطفال، وتجارة الاعضاء البشرية، والتسول خاصة من النساء والاطفال، اضافة الى البغاء ،موضحا ان ضعاف النفوس يستغلون حاجة الناس المادية.
واضاف ان جرائم الاتجار شهدت في الاونة الاخيرة تصاعداً في المحافظات الوسطى والجنوبية لافتا في الوقت نفسه الى انها تدار من قبل تجار لم يسمهم.
تقرير
منظمة مصير لمكافحة الاتجار بالبشر ذكرت في تقريرها السنوي، ان العام الماضي شهد نشاطا كبيرا لعصابات ومافيا الاتجار بالبشر وزيادة في عدد الجرائم والانتهاكات التي حصلت في العراق وتحديداً في محافظات بغداد والبصرة والديوانية وديالى واربيل وكربلاء والنجف، وصاحب ذلك نشاط لوزارة الداخلية لاستيعاب هذه الاعمال الاجرامية وتحجيمها والقاء القبض على قسم من مرتكبي هذه الجرائم، حيث تنوعت الجرائم ما بين المتاجرة بالعمال والعاملات الاجانب، وخطف اطفال لغرض البيع،اضافة الى المتاجرة بالاعضاء البشرية، والنساء بغرض الاستغلال الجنسي، والعمل القسري واعمال
السخرة.
واضاف التقرير انه من الامور المهمة التي شهدتها احداث العام الماضي هو كشف شبكة دولية لممارسة الاتجار بالبشر من قبل منظمة “مصير” ضحاياها عمال اجانب من جنسيات مختلفة، كما شهدت مساهمة المنظمة في تحرير بعض الضحايا الاجانب من قبضة المافيات المختصة بهذه التجارة، اضافة الى قيام وزارة الداخلية بتحرير العديد من الضحايا العراقيين بتفكيك شبكات الدعارة التي
تمارس الاتجار بالفتيات.
وعزا التقرير ارتفاع حالات الاتجار بالبشر الى سوء الاوضاع الاقتصادية وازدياد الفقر ولجوء البعض الى المتاجرة باعضائهم مخالفين القوانين النافذة ولجوء نساء الى اعمال مخلة بالآداب العامة والقوانين النافذة، كما شهد هذا العام عمليات فساد مالي شابت بعض ملفات الاتجار بالبشر من قبل موظفين فاسدين اضافة الى تراجع تفعيل دور القضاء العراقي في حسم ملفات الاتجار بالبشر وفق قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012 صاحبتها تعقيدات ادارية طويلة لحسم تلك الملفات وانصاف الضحايا .
شبكة دولية
وبينت المنظمة في تقريرها انها استطاعت الكشف عن خيوط شبكة دولية تمارس الاتجار بالبشر وتابعت عملها واسلوب جلب الضحايا والايقاع بهن والتحايل عليهن، لا سيما ان خيوط هذه الشبكة تبدأ من مانيلا عاصمة الفلبين، مروراً بالامارات العربية المتحدة واقليم كردستان وصولا الى المحافظات العراقية الاخرى وضحاياها من النساء الآسيويات وبعض النساء من افريقيا، حيث تم تسليم ملف الشبكة الى وزارة
الداخلية .
دائرة مكافحة الاتجار بالبشر في وزارة الداخلية القت القبض على 12 عصابة تمارس الاتجار بالبشر في محافظة بغداد لوحدها أواخر العام 2018 من قبل شعبة مكافحة الاتجار بالبشر في قاطع الرصافة في مناطق السعدون والشعب والكرادة والمنصور تمثل عملها بالاتجار بالاعضاء البشرية، وبالنساء للاغراض الجنسية .
القوات الامنية في كركوك ضبطت عصابات للسرقة والسطو المسلح والاتجار بالبشر، مدير مكافحة اجرام كركوك العقيد قيس عامر قال : إن القوات الامنية القت القبض على 11 شخصا متورطا بعمليات الاتجار بالبشر، حيث تمت مداهمة الموقع الذي يلتقون فيه بعد المتابعة الدقيقة والمعلومات الاستخبارية وألقي القبض عليهم وأحيلوا على المحاكم المختصة.
علم نفس
الدكتور عبد الرحيم الشمري استاذ علم النفس في جامعة بغداد اكد ان جريمة الاتجار بالبشر هي من الجرائم المشينة التي تتعارض مع منظومة القيم الاخلاقية للمجتمع العراقي ، وهي بحاجة الى تربية مجتمعية في المدارس الابتدائية والمتوسطة وصولا الى الجامعات ، من اجل توسيع مفاهيم القيم الانسانية والاخلاقية واستهجانها لمثل هذه الجرائم المشينة ، الامر الذي يجعل المجتمع رافضا بشكل تام وقطعي لمثل هذه الجرائم التي يستغل من خلالها اصحاب النفوس الضعيفة المرضى العقليين والفقراء والمتسولين في الانخراط في جرائم متنوعة كالاتجار بالاعضاء البشرية والمخدرات واستغلال الفتيات والنساء في دور البغاء، واضاف الشمري أنه برغم ملاحقة الاجهزة الامنية لهذه العصابات والقاء القبض على الكثيرين منهم ، لكن يبقى موضوع المفاهيم الانسانية وشيوعها في اوساط المجتمع هو من يسهم في تقليص حجم مثل هذه الجرائم وغيرها ، لان الجريمة لا تعيش او تتسع في وسط غيرحاضن لها ، فعصابات التسول التي تنتشر في الشوارع يجب ان تحاسب ويحقق معها ويتم الزج بها في الانشطة والمؤسسات التابعة لدور الرعاية الاجتماعية لمن له الرغبة في العمل الشريف وحتى لاتكون هناك حجج واهية لاستمرار التسول وافساح المجال لعصابات الاجرام باستغلال هذه
الظاهرة .
تقصي الحقائق
الباحث الاجتماعي مهند الانصاري اشار الى ضرورة البحث والتقصي عن عصابات الاتجار بالبشر بالتعاون مع الاجهزة الامنية ، لان هذه الظاهرة قد تتوسع بشكل يؤدي الى انتشارها بشكل كبير في مدن عراقية كثيرة ، وخصوصا مع اعتماد تلك العصابات على استغلال المتسولين والعمال الاجانب واتخاذها من دور سكنية ومناطق معروفة بانها يمكن ان تؤوي مثل هذه المجموعات الاجرامية التي تعرض أمن المجتمع العراقي الى خطر كبير مشابه الى خطر الارهاب ، وبين الانصاري انه في الاونة الاخيرة شهدت حملة واسعة من قبل الاجهزة الامنية في وزارة الداخلية لملاحقة المتسولين والقاء القبض على شبكات التسول التي كانت تملأ تقاطعات الشوارع من قبل نساء وفتيات باعمار مختلفة يشرف عليها اشخاص منخرطون في اعمال المتاجرة بالبشر ، فاغلب الاطفال الموجودين في شبكات التسول هم في الاصل مختطفون او تمت سرقتهم من مدن ومحافظات
اخرى.